التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 09:28 ص , بتوقيت القاهرة

عندما تغضب المرأة

تتفاجأ إحدى الفتيات بأفكار ومفاهيم بالية تُدرَّس في واحدة من أهم المدارس الأردنية الخاصة، التي تستعين بأفضل المعلمين وتمنحهم وقتًا كافيًا للتحضير وتقوية قدراتهم الفكرية وتطويرها في مجال التعليم، ورغم ذلك كلّه تُقدّم للطلبة مجموعة أقوال مأثورة لكي يناقشوها، ومنها مقولة للكاتب المصري نجيب محفوظ -العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للآداب- جاء فيها بالحرف: "عندما تغضب المرأة تفقد ربع جمالها، ونصف أنوثتها، وكلّ حبها".


غضبت الفتاة ولم تفقد من جمالها وأنوثتها أو حبها، غير أنها اعترضت على هذا القول الذي يُكرِّس النمطية والتعصب والتحيز والتمييز ضد المرأة الموجود، أساساً، في مجتمعنا. واحتجت على محفوظ لأنه لم يُشر إلى الناس كافةً، ذكورًا وإناثًا، إنما خصص فئة من دون أخرى، وعلى إعطائه الأهمية للجمال والأنوثة والحب وليس للعقل أو الفكر مثلاً.


بدا المدرس مندهشاً إزاء جواب طالبته، ولم يرغب بمواصلة بالنقاش، بعدما اتفق معه العديد من الطلبة، الذين تعاملوا مع الأمر كونه حقيقة مسلّم بها، وهو ما أثار حفيظة الفتاة أيضاً.


وقعت هذه الحادثة في مدرسة مرموقة توفر شروطاً عصرية ومتطورة للتعليم، فما الذي يجري في المدارس الحكومية، أو مدارس خاصة أخرى تفتقر للحد الأدنى من مهنية التعليم والبيئة المناسبة لإطلاق التفكير الحر المنفتح بدلاً من التلقين المتوارث جيلاً بعد جيل.


إننا نُحارب في معركة شبه خاسرة، ونسبح عكس التيار الجارف، إذا ظلت مؤسساتنا التعليمية، على اختلاف مستوياتها، تلقن طلابنا أن المرأة أقل شأناً وأهمية من الرجل، ولا يهمنا منها سوى جمالها وأنوثتها ومحبتها!


هذه النظرة ليست منفصلة عن منظومة تعليمية متكاملة تُشرعن العنف في جميع مفاصل حياتنا منذ الحضانة وما قبل المدرسة؛ العنف الجسدي أحياناً، والعنف اللفظي بالصراخ، فنادراً ما تجد مدرسة لا تعلو بها أصوات المعلمين والمعلمات فيها، وإن حاولت مدرسة أو مدرس العمل خلافاً لهذا النهج والأسلوب، سارع المدير وبقية المدرسين للتأكيد ان الطلاب لن يستوعبوا إلاّ بالعنف، وإذا غابت العقوبة فإن الطلبة سيتمردون على مدرسيهم وما إلى ذلك من التبريرات المعهودة.


الصورة النمطية تجاه المرأة خاصة لا تنحصر في التعليم، وإن كان هو الفضاء الأهم على الإطلاق، إذ نجده في المؤسسات الدينية التي ترسخ التمييز وعقدة النقص لدى الأنثى مبررة ذلك بأقوال دينية تكون مجتزأة  بالغالب وخارجة عن سياقاتها، والأمر نفسه ينطبق على المجتمع الذي يكرر المفاهيم البالية نفسها بوصفها سلوكاً طبيعياً من دون اعتراضات حقيقية حيالها.


ويتواصل التمييز ضد المرأة في سوق العمل، فلوقتٍ غير بعيد كان أهم بنوك الأردن يفصل الموظفات حال زواجهن بحجة عدم الرغبة بتحمل تكاليف إجازات الولادة وغيرها، إضافة إلى جلب النساء في بعض المجالات بالاعتماد على جمالهن أو أزيائهن لترويج العمل نفسه، وبذلك تصبح المرأة مجرد سلعة فقط.


آن الأوان أن نخرج من هذه النظرة النمطية والدونية، ونركز على أمر بسيط هو أن المرأة فاعلة وحاضرة في محيطها لها ما على المجتمع وعليها ما عليه.