التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 07:52 م , بتوقيت القاهرة

عيد الفنان عبد الوارث عسر .. عيد ثورة يناير سابقًا

لماذا قررتُ أن أقترح تدشين عيد جديد للاحتفال بالفنان عبد الوارث عسر؟


فكما تحول من شخصية الرجل الخاضع إلى تحكُمات زينات صدقي المستبدة إلى الرجل القوي المدافع عن الحق، وددت أن نتحول من البؤس المُتمثل في الاستمتاع بتداعي الذكريات المؤلمة، إلى أشخاص يهربون إلى اللُطف والاستمتاع بتفاصيل الحياة البسيطة.


قد يكون هذا المقال نابعًا من اختلالٍ نفسي ما أصابني كما أصاب الآخرين، بعدما تعرضنا بشكلٍ جماعي إلى عدة اختبارات حياتية وصدمات متتالية، حولتنا إلى كائنات ذات خواص معينة. 


في يوم مثل الخامس والعشرين من يناير الذي نُدرك مغزاه جميعًا، هربًا من الأحداث ربما، أو تجنبًا للأفكار الشريرة، أردت أن ألقي نظرة سريعة على العالم في 25 يناير.. بعيدًا جدًا عن مصر، والشرق الأوسط برمته، في أعلى الخريطة تمامًا.


في نفس الوقت الذي تتصارع فيه مشاهد الدماء أمام أعيننا، وتزدحم في آذاننا أصوات الطلقات أو الهتافات أو النحيب، في مساء الخامس والعشرين من يناير كل عام، يجتمع الاسكتلنديون من جميع أنحاء العالم  حول موائد عامرة بالوجبات الشعبية الاسكتلندية للاحتفال بأشياء أخرى غير الثورات، أو الانتصارات أو أعياد الشرطة.. فالاسكتلنديون، في هذا التوقيت تحديدا، يحتفون بالشعر! 


نعم، في هذا المساء يحتفلون بذكرى الشاعر روبيرت بيرنز، شاعر اسكتلندا الوطني أو الشاعر الفلاح كما يودون تسميته.



في أول المساء تجتمع الأسرة أو الأصدقاء كأي احتفال آخر، ليرحب بهم المضيف ويقولون سويًا بعض الكلمات المعينة بالاسكتلندية للدعاء للشاعر المذكور، ثم يبدأون برشف أطباق الشوربة تمهيدًا للطبق الرئيسي ألا وهو "الهجيز"! والذي يعد أحد الأطباق الوطنية في إسكتلندا، والشهير في الفلكلور الشعبي الخاص بها.



 ويتكون من سجق عادي محشو بأعضاء الخروف كالقلب، الكبد المفرومة والمخلوطة بالشعير، والذي أصبح الآن أشبه الـ"سوسيس" المتعارف عليه، ولكنَه أقصر قليلا. يقدم الطبق بجانب الويسكي الاسكتلندي، ويذكر أن هذا الطبق تحديدًا كتب له بيرنز قصيدة شهيرة تسمى "قصيدة للهجيز"عام 1787.


فندرك تمامًا أن عندنا، في هذا البقعة، ذكرى ثورة تمت أو لم تتم، واحتفالات تشوبها بعد الوفايات هنا أو هناك، وفي بقعة أخرى، أو بعض البقاع، هناك ما يسمى بـ"عشاء بيرنز" الذي تم الاحتفال به لأول مرة من قبل أصدقاء الشاعر في نهاية القرن الثامن عشر، وفي يوم 21 يوليو عام 1759. قبل أن يتحول الاحتفال، لحظنا العثر، إلى الخامس والعشرين من يناير كل عام والذي يوافق عيد ميلاد الشاعر.


شعرت بالغيرة! ولماذا نتمسك بالاحتفال بإحدى المناسبتين؟ الثورة أو الشرطة أو غيرها؟ أصلًا، العام مليء بالذكريات الأليمة، ويمكن لنا الاحتفال بإنجازاتنا أو تذكر مآسينا في أي يوم آخر، لماذا لا نفكر في عيد جميل كما يفعل الآخرون في البلاد البعيدة؟ وننهي معضلة ثورة أم شرطة كل عام؟ 


 أليس لدينا ذكرى لفنان نقوم بالاحتفاء به؟ أقترح عليكم عيدًا جديدًا فيه نحتفل بالفنان عبد الوارث عسر. في  الخامس والعشرين من يناير عام 1982 ذهب عن عالمنا المعلم حنفي وعمدة فيلم الأرض، أو الفنان الذي تبكينا ملامح وجهه المُعبرة بشدة.. عبد الوارث عسر.


لماذا لا نلتف حول الشاشات في هذا اليوم لنستمتع بفيلم الأرض ونضحك على إسماعيل يس في الأسطول أمام جبل من سندوتشات الطعمية والبيض بالبسطرمة، وكيلوهات من اليوسفي مثلًا؟ عيد يعبر عن ثقافتنا بشدة. وهو أيضًا موضوع ملهم بشكل من الأشكال. 


هل كنت تعلم مثلًا أن الفنان عبد الوارث عسر لديه ابن وابنه من زوجته حكمت هانم المكاوي، وكان قد سمّاهما لوتس وهاتور؟ قمة الجمال، والإغراء للبحث حول حياة هذا الفنان المُلهمة بدلًا من البحث عن أسباب فشل/نجاح الثورة، أيهما تعتقد. وهو مجرد رأي.