التوقيت الخميس، 02 مايو 2024
التوقيت 09:04 م , بتوقيت القاهرة

يا كل حاجة وعكسها

"الناس اللي عملوا كذا وكذا، هم نفس الناس اللي عملوا كذا وكذا" دي واحدة من العبارات المنتشرة على موقع "فيس بوك" وبـ يعبر بيها مستخدم الموقع عن تعجبه واستنكاره من تناقض ما لمستخدمين تانيين.


بـ نستغرب بيها من اللي بـ يطلبوا التعاطف مع سجين معين، وما نسمع لهمش صوت مع سجين تاني، اللي بـ يعملوا حداد لوفاة حد، ويتعاملوا مع وفاة حد تاني كأنها ما حصلتش، اللي بـ يطالبوا بـ احترام خصوصية الإنسان في واقعة، وينتهكوها بـ كل بساطة في واقعة تانية زيها.


غالبا، المستخدم اللي بـ يستخدم التعبير ده بـ يقفل البوست بـ تعبير دال على التعجب، زي لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله، ده لو مؤدب، ولو مش، فالموضوع مالوش سقف في القباحة.


في الواقع، التركيبة دي من التركيبات اللي بطلت استخدمها بقالي شوية حلوين، ليه؟ علشان التناقض في حد ذاته مش تهمة، كلنا متناقضين بـ نسب ودرجات، كلنا بـ نكيل مكيالين، بالعكس، اللي بـ يكيل بـ مكيالين ده كويس قوي، فيه ناس عندها عشرين مكيال، وكل حادثة يكيلوا بـ واحد غير التاني.


مش بس كده، أصلا، كل فكرة تحمل بذور نقيضها جواها، وتعالى كده نراجع شوية:


الاشتراكية، المفترض إنها بـ تسعى لـ تحقيق "العدالة" الاجتماعية، و"إزالة الفوارق" بين الطبقات، وبين البشر. لكن كل ما أوغلنا في الاشتراكية بـ نتجه ناحية الظلم بـ عينه، تخيل لما يبقى الكل زي بعضه، فيه ناس موهوبين واستثنائيين، بلاش دي، فيه مجتهدين ومنظمين أكتر من غيرهم، هـ يفقدوا فرصتهم في التميز، وفيه شعوب دفعت التمن بالدم والعرق والكفاح، هـ تتساوى مع شعوب زي تنابلة السلطان، تاكل وتشرب وتنام.


الرأسمالية، المفترض إنها بـ تسعى للحرية الاقتصادية، وكان شعارها التاريخي "دعه يعمل، دعه يمر" والأساس في الرأسمالية هو الحد من تدخل الدولة في العملية الاقتصادية، وإتاحة الفرصة أمام الجميع للشغل والاستثمار.


طيب إيه اللي بـ يحصل نتيجة النظام الرأسمالي؟ هو تكوين إمبراطوريات اقتصادية، بـ تتحكم في السوق، وتحتكر إصدار القوانين اللي تحقق "حريتها" في الشغل، وبـ اسم الحرية، بـ يفقد مليارات البشر حريتهم، مش بس الحرية الاقتصادية، لكن كمان حريتهم الشخصية، اللي بـ تتظبط على مقاس دورة رأس المال.


الحريات السياسية والشخصية شرحه، وهي دي مشكلة أوروبا دلوقتي، علشان الليبرالية تحولت لـ دين تقريبا، ادوا فرصة لأعداء الليبرالية، ويمكن أعداء الحياة نفسها إنهم يتمددوا بالطول والعرض والارتفاع، وما لم تتخذ أوروبا إجراءات ضد الحرية بوضوح، مش هـ تعرف تلم الدور.


وهكذا لو تأملنا في أي فكرة، وأي مشاعر حتى، وده اللي بـ يخلي أفكار بـ تظهر زي الوسطية من جهة، والعبثية من جهة تانية، والعدمية من جهة تالتة، وكل فكرة من دول بـ دورها، بـ تنتج عكسها، فالوسطيين بـ يبقوا أكثر تطرفا، والعبثيين بـ يكتئبوا، والعدميين بـ يبقوا أكثر ارتباط بمنظومات قيمية وأخلاقية، لدرجة التحرش بـ والاعتداء على مخالفي المنظومات دي.


طب والحل؟
والله ما عندي حلول، بس عندي فكرة شخصية إن مواقفي مش بـ تبقى مرتبطة بـ عموميات، وبـ أبقى عارف إن تقييمي للأمور نابع من منظومتي الأخلاقية والقيمية، اللي بـ أدافع عنهم بكل ما أملك، لكن مش بـ افترض إن سين أو صاد مجرم، أو مذنب، أو مدان لـ "مجرد" اختلافه مع المنظومة دي.


والأهم من كل ده، هو إني مش بـ أهتم بـ التقييم والإدانة، قد ما بـ اهتم بالتحليل، والتفسير، ولذلك، كل ذلك، بطلت استخدم التعبير الخالد:
  "الناس اللي عملوا كذا وكذا، هم نفس الناس اللي عملوا كذا وكذا"
لأنه عادي
ولا مش عادي؟


صباح الخيرات