التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 09:27 ص , بتوقيت القاهرة

الكليشيهات تكسر جودة التنفيذ في Unbroken

بطل رياضي أمريكي.. جندي مدفعية على طائرة أثناء الحرب العالمية الثانية.. مقاتل صمد في صراع مع الطبيعة للبقاء حيا على سطح البحر لمدة أسابيع بعد سقوط طائرته.. وصراع بقاء أصعب بعدها كأسير حرب في معتقلات اليابانيين أثناء الحرب. 


القصة الحقيقية لـ "لويس زامبريني" تملك تقريبا كل العناصر السينمائية المطلوبة لتقديم فيلم ممتاز، ورحلة إنتاج فيلم عنها، رحلة طويلة بدأت عام 1957 عندما اشترت شركة "يونيفرسال" حقوق إنتاج الفيلم، ليقوم بالبطولة وقتها النجم "توني كيرتس"، وتأجل المشروع عقود وعقود ليشمل نجوم عديدين كان أخرهم "نيكولاس كيج" أواخر التسعينات، قبل أن تحسم يونيفرسال المسألة أخيرا، وتعطي الضوء الأخضر للتنفيذ بعد نجاح كتاب "غير قابل للكسر" أو Unbroken  للأديبة "لورا هيلينبراند" عن قصة حياته عام 2010.


اللافت للنظر هنا وجود الأخوين "كوين" ضمن فريق سيناريو الفيلم، وهو ما يبشر بسيناريو منعش ومتقن. يقابل هذا اختيار النجمة "أنجلينا جولي" لتولي الإخراج، بعد تجربة واحدة سابقة متوسطة المستوى. ودور بطولة للممثل البريطاني الشاب المغمور "جاك أوكونيل". التاريخ السينمائي للمجموعة يجعل التساؤل المنطقي المنتظر هنا (هل سيرقى إخراج أنجلينا وأداء البطل لمستوى السيناريو؟)، لكن حاليا بعد مشاهدة الفيلم، أرى أن كلاهما كان أفضل نسبيا من السيناريو الروتيني البناء، الخالي تقريبا من أي لمسات سرد منعشة أو منحنيات درامية تصمد في الذاكرة.


الغرابة تزداد لأن الخط العام للأحداث يعرفه كل أمريكي تقريبا، وفي الإعلان الرئيسي لم يحاول صناع الفيلم، طمس أى جزء منه عامة. عادة مع قصص من هذا النوع، تحتاج الى لمسة مميزة، أو نقطة انطلاق تصلح كخيط درامي لخلق منطقة تفرد ما، تشفع للعمل ككل معرفتك المسبقة بمسار الأحداث.



يحضرني هنا فيلم خر مهم تحدثنا عنه سابقا ويعرض حاليا، عن قصة حقيقية أخرى أثناء الحرب العالمية الثانية وهو The Imitation Game عن حياة عالم الرياضيات البريطاني "آلان تورينج"، وفيه نجح السيناريو وفريق العمل ككل، في أن يخلق مساحة تواصل واهتمام حقيقية بالشخصية، مع اسقاطات وتساؤلات فلسفية وأخلاقية ذكية عديدة عن الحياة عامة. هذة النقاط جعلت مشاهدة الفيلم مصدر متعة وتسلية، حتى لمتفرج مثلي يعرف مسبقا قصة تورينج.


تظل المسؤولية في هذه الروتينية طبعا في رقبة "آنجلينا جولي" كمخرجة، حتى لو كان حجر أساسها السيناريو. وتزداد مسؤوليتها لأن التقليدية امتدت لتشمل عناصر عديدة أخرى كان من الممكن أن تنقذ الفيلم نسبيا من فخ التكرار. على سبيل المثال ستجد هنا الموسيقى التصويرية لـ "ألكسندر ديسبلات" غاية في التقليدية والمباشرة، في نفس العام الذي قدم فيه هذا المبدع 3 أعمال مهمة جريئة، لكل منها طابع مميز أصيل في (The Imitation Game Godzilla - The Grand Budapest Hotel). وكأن أغلب صناع الفيلم، خلطوا بين الرغبة في تقديم العمل بشكل كلاسيكي محافظ، وبين تقديمه في كليشيهات مكررة.



شخصية البطل الأمريكي والضابط الياباني "واتانابي" تحسم هذة الحقيقة. في بداية ظهورهما يبدو كلاهما مُبشر بفضل الأداء التمثيلي الجيد للأبطال المغمورين بالأساس، لكن بمرور الوقت يسقط كلاهما بفضل الاختزال المباشر لثنائية (الخير المطلق - الشرير المطلق)، خاصة مع مشهد المواجهة الأخيرة، الذي ينتهي بجملة أقرب الى الحوارات المباشرة المسرحية.


رغم هذا توجد معالم جودة واضحة في التنفيذ تستحق الإشادة، خاصة من حيث التصوير الذي أبدع فيه كالعادة "روجر ديكينز". مشاهد حادثة السقوط ورحلة الصمود في المحيط بالأخص، تحتوي على لقطات عديدة ساحرة مميزة. وهو ما يمكن قوله أيضا على مشاهد أخرى في معتقلات اليابانيين. شريط الصوت أيضا مميز وأعجبني جدا ذكاء طاقم الصوت في توظيف الهدوء المطلق في أغلب مشاهد أزمة البحر، كدلالة على العزلة التامة. الأداء التمثيلي أيضا متقن وعلى الأغلب اكتسب جودته بفضل خبرة وتركيز المخرجة، لأن التمثيل لعبتها بالأساس. 



آنجلينا جولي كمخرجة هنا اجمالا قطعت شوط جيد في مشوارها عن فيلمها الأول، وإذا واصلت التطور بنفس القدر في عملين آخرين، فقد يصبح لاسمها في عالم الإخراج وزن مشابه لاسمها كممثلة. أتمنى فقط أن تكون عيوب فيلمها دراميا هنا مؤقتة، وألا يكون نشاطها المستمر في مجالات الإغاثة والأنشطة الخيرية، سبب في تشويه حسها الدرامي ليصبح بشكل خطابي أحيانا.


في ختام الفيلم، تظهر فيديوهات وصور أرشيفية لـ "لويس زامبريني" الحقيقي، مع معلومات مكتوبة عنه. الختام الجيد القوي المؤثر، لم يضف للفيلم قوة وتأثير، بقدر ما كان دليل أخر أن قصة بهذا الثراء، كانت تستحق حتما فيلم أفضل مما شاهدناه على مدار ساعتين.



باختصار:
كليشيهات مكررة حطمت للأسف كل معالم الجودة العديدة الأخرى. الفيلم كان من الممكن منذ 30 أو 40 سنة تصنيفه كفيلم عظيم، لكن حاليا أمامنا فيلم متقن بكل تأكيد لكن غير قادر على انتزاع تفاعل المتفرج المعاصر دراميا، رغم أنه يسرد بالفعل قصة حقيقية انتزعت اهتمام ملايين على مدار عقود سابقا.


للتواصل مع الكاتب