التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 04:21 م , بتوقيت القاهرة

هل باعت فاتن حمامة السعادة للناس؟

بعيون أحلى من الموناليزا ووجه ملائكي، ترقص مع الفنان عماد حمدي، في أحد الأفلام، وتقول "أنا حياتي تتلخص في كلمتين، تمثيل في تمثيل"، ليرد عليها "الكلمتين دول هما اللي بيدور عليهم أي فنان، إنتِ بتبيعي السعادة للناس".


لم يقتنع الشاعر الكبير أنسي الحاج، أن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، كانت مثالا للمرأة مكسورة الجناح المضطهدة مسلوبة الحقوق، بل "إنها جسدت البنت والأنوثة، تلك التي تثير في الرجل طبائع الحماية، فلا يُمكنك أن تشاهدها إلا وتخاف عليها. كما كانت مثالا للبنت الرقيقة التي يتمنى أي شخص أن تناديه باسمه. فمن ذا الذي يرغب في سماع اسمه من شخص آخر بعد أن تناديه فاتن حمامة باسمه؟".


ويضيف "بهرت فاتن حمامة الجميع بأداءها العفوي بلا تكلّف أو اصطناع. عندما تضحك فلا تملك إلا أن تضحك، وعندما تبكي تسمع دموع قلبك المتحسرة. لقد أحبها الجميع وعشقت فنها وأفلامها واحدا تلو الآخر. بدأت التمثيل طفلة في السابعة من عمرها مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، في فيلم يوم سعيد، عام 1939".


لكن عندما سألها أحدهم: هل خفق قلبك من أجل الحب؟


كانت إجابتها "ياه كتير أوي". ثم تابع بسؤال آخر "من هو سعيد الحظ؟" فترد في تعجب، "هو واحد..دول أكتر من 100"، ثم تبادر بأسمائهم، "خد عندك يا سيدي نبتدي من أول فيلم يوم سعيد"، بالتأكيد لم يكن المذيع يقصد أدوارها السينمائية، لكنها عشقت تلك الأدوار، وكان كل دور بمثابة وجبة من السعادة للجمهور.



مقابلة نادرة


في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي عام 1964، يقول المذيع، "لقد التقيت بفنانات كثيرات في بيروت وهو أمر عادي، لكن هذه المرة التقيت بامرأة ومعجزة أخرى. إن هذه المرأة الممثلة تُدعى فاتن حمامة. وهي نجمة مصر الأولى بلا شك. ولا نعني بنجمة مصر الأولى هنا إلقاء الزغاريد والرقص بل التثميل وفقط، وهذا ما قمت به فاتن حمامة".


 


بدأت فاتن حمامة السينما وهي طفلة، أردات أن تبهر الجميع. انبهر بها أحد المخرجين عندما شاهد صورة لها وهي تبكي، فأعجب بشكل الدموع في الصورة. أخبرها أنها ستكون نجمة سينمائية كبيرة.


كانت فاتن حمامة ممثلة تثير في المشاهد غريزتيّ الفرح والشعور بالذنب. الفتاة البسيطة التي امتعتنا في دور "آمنة"، في دعاء الكروان، للأديب طه حسين، وكذلك فيلم "نهر الحب" الذي أقتبسَ من رواية "آنا كارنينا" للأديب الروسي "ليو تولستوي". إن ذلك الوجه البريء على شاشة السينما لا يملك المشاهد أمامه سوى الافتتان. أصدق ما في فاتن حمامة هو الصدق التثميلي، فهي تمثل بلا إداعات أو رهانات. لا تشعر لحظة بأنها تمثل. في حياتها موجة خاصة جسدت فيها دور الأم التي تحاول استيعاب تغيرات الحياة المتتالية بداية من إمبراطورية ميم، مرورا بأفواه وأرانب، ووصولا لفيلم يوم مر..يوم حلو، مع خيري بشارة.


كانت فاتن حمامة تقول، "إن الجمهور كان يمطرها يوميا بالرسائل، فالرجال يحدثوها عن أدوارها المختلفة، والبنات يطلبن نصائح باستمرار عن الحب". وعندما يسألها المذيع مجددا، "هل تحبين الناس"، فترد "أحب الناس كثيرا، وخصوصا أصحاب القلوب الرحيمة".


لقد كانت أيقونة للسينما المصرية كما قال عنها النقّاد. غنى لها الكثير من المطربين الكبار، لكن من يمكنه أن ينسى فريد الأطريش وهو يغني لها: متلك يا سكر بيدوب..يا أسمراني يا مهيوب.


المرأة المصرية


لم تغير فاتن حمامة من قناعتها على طول مسيرتها الفنية. في ضمير أبلة حكمت كانت مثالا للأم المعنوية. لكن المجتمع المصري كان هو البطل في أفلامها. شخصية نعمة في أفواه وأرانب مثالا لشريحة كبيرة من نساء يحاولن الهرب من سطوة الزواج بالقوة في قرى مصر المختلفة، ولم تتضايها في الجمال سوى تلك اللقطة في فيلم "يوم مر..يوم حلو" الذي يتناول الكفاح من أجل الحرية خلال فترة التثمانيات. وهي أيضا تلك السيدة المدنية في "إمبراطورية ميم"، التي سعت لتأصيل مفهوم الديمقراطية في شكل أسرة مصّغرة. وهل هناك مخرج لذلك سوى إجراء انتخابات؟


الملائكية


رغم أن فاتن حمامة قدمت خريطة للمرأة المصرية في تقلبات المجتمع المصري، إلا أن الجمهور كان يرغب دائما في رؤيتها دور المرأة الملائكية المسالمة، وعندما قامت بدور الفتاة الشريرة في فيلم "لا أنام" الذي أخرجه صلاح أبو سيف، في العام 1957، فشل الفيلم تجاريا.


 



قامت حمامة في هذا الفيلم بدور فتاة شريرة مصابة بعقدة تجاه والدها، فلا تحتمل فكرة أن تستمر معه زوجة، حيث كانت تسارع إلى تدبير المكائد لزوجات أبيها. واحتشد الفيلم بأكبر عدد من النجوم الذين لم يتح لفيلم آخر أن يجمع بينهم في تاريخ السينما المصرية، ومنهم عمر الشريف ويحيى شاهين ورشدي أباظة وعماد حمدي وهند رستم ومريم فخر الدين.


لكن النقّاد أرجعوا فشل فيلم "لا أنام" إلى دهشة المشاهدين أو صدمتهم في نجمتهم المفضلة التي عودتهم على نمط محدد يبدو حتى من عناوين أفلامها السابقة ومنها "ملاك الرحمة"، و"نور من السماء"، و"اليتيمتان"، و"أنا بنت ناس"، و"ست البيت"، و"إرحم دموعي"، و"أشكي لمين"، و"ظلموني الناس"، و"حب ودموع".


باعت فاتن حمامة السعادة للجمهور.. ولم تنتظر سوى المحبة.