التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 05:43 ص , بتوقيت القاهرة

فاتن حمامة.. أيام السينما الحلوة والمرة

كان العالم رائقا في مصر، عام 1940، كانت مسابقات الجمال تجتذب الأطفال والكبار، لما كانت بريطانيا تتكبد خسائرها في بداية الحرب العالمية الثانية. حصلت الطفلة فاتن أحمد حمامة على لقب أجمل طفلة في مصر وهي بعد في التاسعة من عمرها، ليرسل والدها الموظف بالتربية والتعليم صورتها إلى المخرج محمد كريم، الذي كان يبحث عن طفلة للتمثيل مع المطرب الشاب حينها، محمد عبد الوهاب، في فيلم "يوم سعيد"، ليبدأ زمن فاتن حمامة.


كان طبيعيا أن تكبر الأستاذة فاطمة، التي جسدتها فاتن حمامة عام 1952، لتصبح منى الأم الخمسينية الوحيدة المدركة لحرية أبنائها، والمتفهمة لمراهقة ابنها حينما اعترف لها بتقبيل الخادمة، هذا التطور يليق بـ30 عاما، فتاة عشرينية تسعى  للعمل وإثبات ذاتها، تؤسس أسرة تكبر لتصير "إمبراطورية ميم"، ويعرض أبناؤها خيار الديمقراطية فتطاوعهم.



أفلام فاتن حمامة هي حلقات متصلة منفصلة، الفتاة والشابة التي عاشت عشرينياتها في الخمسينيات، والمرأة الناضجة المسؤولة التي تعيش خمسينياتها في السبعينيات والثمانينيات، بكل التحولات الحادثة في مصر بين الخمسينيات والسبعينيات، بكل إحباطاتها وهزائمها وانتصاراتها.


مثلا آمنة أخت هنادي في "دعاء الكروان"، بكل معاناتها مع الفقر والجهل، وتعنت خالها الصعيدي، واصطدام القرية بالمدينة، لتأخذها حياة المدينة وتكوّن أسرة فقيرة أيضا، ستصبح "عيشة" الأم الوحيدة لفتاتين ناضجتين في فيلم "يوم مُر.. يوم حلو" في مفرمة الحياة في الثمانينيات، الفتاة الضعيفة المغلوبة على أمرها في الثلاثينيات كبرت لتصير سيدة ناضجة تصارع من أجل الحياة.



نعمة في "أفواه وأرانب"، المسؤولة عن أختها وزوجها السكير وأبنائهما التسعة، قروية ثلاثينية، تسعى للرزق والهروب من زواج غُصبت عليه، لو لم تتزوج الشاب الغني في نهاية الفيلم، لكانت عائشة الأرملة المقيمة مع فتاتين وزوج إحداهما، في حياة متقلبة بين "حبة فوق وحبة تحت"، ويوم سعيد وآخر حزين، لولا النهاية السعيدة لـ"أفواه وأرانب".



منى في "إمبراطورية ميم" السيدة العصرية، المؤمنة بحرية أبنائها وقدرتهم على تحديد قراراتهم، ستتركهم للسفر، وستسعى للسفر إليهم في فيلم "أرض الأحلام" فيما بعد الانفتاح، في بداية التسعينيات التي لا طعم لها، الميتة إكلينيكيا، ستدخل مغامرات البحث عن "الباسبور" الضائع الذي يمثل وسيلتها للهجرة، والتمتع بشيخوخة هادئة مع أبنائها المهاجرين.



يمكننا رسم ملامح المرأة المصرية عبر أفلام فاتن حمامة، الفتاة الضعيفة الفقيرة، أو الفتاة الضعيفة الغنية، الفتاة متوسطة الحال الساعية للرقي الاجتماعي المتمثل في التعليم الجيد والعمل الجيد، المرأة الناضجة المسؤولة عن أسرة كبيرة، والمرأة الفقيرة التي تجمع بين ضعف وقوة يمكنانها من الحياة في زمن متخبط.



يمكن رسم خريطة اجتماعية وسياسية من أفلام سيدة الشاشة العربية، خمسينيات الرغبة في البناء، والتحرر، سبعينيات الحرب، ثمانينيات الانفتاح، تسعينيات اللا طعم، انحسار الجمال القديم وطغيان الموجات الجديدة التابعة للانفتاح على الحياة.


لم نذكر الستينيات في "تايم لاين" أعمال فاتن حمامة، التي اضطرتها التقييدات السياسية عام 1966، للهروب أو السفر والحياة بين بيروت ولندن بعد رفضها التعاون مع الأمن، ورفضها للاعتقالات القسرية التي يتعرض لها المعارضون آنذاك، إلا أن إلحاحا من ناصر على المثقفين والفنانين لإقناعها بالعودة أرجعها إلى مصر، لتبدأ مرحلة السيدة فاتن، والأيام المُرة والأيام الحلوة.