التوقيت السبت، 04 مايو 2024
التوقيت 06:53 م , بتوقيت القاهرة

التِمساح الطائِر

الحياة في المدينة بكل دوّشتها وزحمتها وتعقيداتها اليومية بتغريك دايمًا بفكرة الهروب للصَحرا.. أكيد الفراغ السحيق اللي بتتميز بيه الحياة الصحراوية فُرصة ذهبية للتخلُص من شُحنة التَوتُر اليومية اللي بتصيبك بيها المدينة.


وعشان كده ماترَدِدتِش لحظة لما صديقتي (مُحترفة رحلات السافاري) اقترحت عليا نطلع رحلة لواحدة من أجمل المحمِيَّات الطبيعية في مصر.. واتحَمِّست جداً لفكرة يومين استجمام واستمتاع بتلقائية وبساطة وهدوء الصحرا.


وفعلاً لحظة الوصول كانت بالنسبة لي لحظة الانتقال من إحساس خلَّاط الأسمَنت لإحساس بُساط الريح.. أتأمل المشهد الأسطوري بالتصوير البطيء عشان مافيش تفصيلة تفوتني.. نضافة الجوّ وألوان الطبيعة الساحرة وتلال الرمل وريحة البحر والسكون التام..أنا وصديقتي في حالة انبهار وصمت وتأمل.. وفجأة يشُق السكون صوت صرختي المذعورة:


  • إيه ده؟ تمساح في الصحرا؟
  • تمساح إيه يا أميرة؟!.. ده صُرصار!!!
  • لأ لأ مش ممكن يكون كل ده صُرصار.
  • يا بنتى ماتخافيش مابيعمِلش حاجة.
  • إنتي متأكِدة إنه صُرصار؟.. مش مِدِّى على دايناصور شوية؟
  • يووو ما تركزيش معاه بس.. هو حايختفى لوحده.
  • حايختفى لوحده؟ عفريت يعنى؟!!
  • يا ستي ماتقلقيش.. شوية كِدَه وحايطير من هنا خالص.
  • لا والله؟!! حايطير؟.. وماقلَقش؟.. الاتنين مع بعض؟
  • طبعاً ماتقلقيش ده أصلاً بيجيب الحَظ.
  • (بعصبية).. حَظ مين بس إنتى كمان؟.. إحنا عندنا هنا بيجيب أمراض!!
  • (بغَضَب).. حرام عليكي ماتقوليش كده.. إنتى عارفة فايدة الصُرصار إيه للبيئة؟
  • مش عايزة اعرف والله أنا عايزة أنام.
  • ما تنامي هو حَد مانعِك؟
  • طب وبالنسبة للتمساح قصدي الصُرصار يعنى؟
  • مالُه؟
  • مش حايروح ينام هو كمان؟
  • ههههههههههههه 
  • بتضحكي على إيه؟ حَد يجى يموِّت الزفت ده.
  • إنتى اتجننتي؟ ما ينفعش طبعًا.. ده يعمل خَلَل فى التوازُن البيئي
  • خَلَل في إيه؟
  • في التوازُن البيئي.
  • طب معلش يعني وهو التوازن البيئي ده حَبَكُه يتوِزِن الليلة دي؟
  • اففففففف.. عايزة إيه يا أميرة؟؟
  • (أتلفِّت حواليا ثم أوَشوِّش صديقتى).. أنا بقول يعنى إحنا ممكن نضَحي بالصُرصار ده بس.. ما هي البيئة مليانة صراصير ومش ده بالذات اللي حايوَّقع توازنها يعنى.
  • (بصوت عالى).. قصدِك إيه؟ إنتى مش عارفة إنه ممنوع حد يموِّت أي كائن فى المحمِيَّة؟
  • شوفتى بأه؟ أديكى فهمتيني غلط.. مش قصدي نموِّته طبعااا.. إحنا ممكن نستأذِنه يروح النهاردة بس ينام في مَحمِيَّة تانية.
  • عايزة تقولى إنك حاتفضَلي قاعدة مستنية لغاية ما يطير عشان تنامي؟
  • وإنتى يعني شايفاه ناوي يتنَيِّل يطير؟... أنا غالباً حافضَل قاعدة مستنية لغاية ما يعَجِّز ويموت!!.
  • ...!!!!....

 


وتنام صديقتي في سلام في حين أستَمِر أنا في مراقبة التمساح الطائر اللي مش عايز يطير.. وأظَل مستنية مستنية مستنية إنه يتحرك من مكانُه لكن تقولش واخِد حُقنة بِنج!!


 


 إذن لا محيص من استجماع شجاعتي والتصرف على قد المسؤولية.. ثم أستسلم للنوم وأفتح عينيا مع أول شعاع شمس لأجد صديقتي تنظر بذهول لجُثة التمساح اللي هي مُصِرَّة إنه صُرصار.. ثم تنظر لي نظرات شَك واتهام... أنظر إليها ثم إلى الجُثة ثم إليها وبمنتهى البراءة والثقة أقول:


  • مش أنا على فكرة.
  • بتستهبلى يا أميرة؟ أمال مين يعني؟
  • وأنا أعرف منين؟ احتمال يكون التوازن البيئي اختَل توازنُه ووقِع عليه فَطَّسُه!!

 بس يا سيدي ورجعت من رِحلة الاستجمام بالحِكمة اللي حاتِحسِم اختياراتي المستقبلية كلها.. وهي إن الحياة في المدينة بكل دوشتها وزحمتها وتعقيداتها اليومية، أقل تَوَتُراً من الحياة فى الصحرا بكل هدوئها وتوازُنها البيئي وصَراصيرها العملاقة وتماسيحها الطايرة!