التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 06:32 ص , بتوقيت القاهرة

الضرائب والإنفاق العام .. خمسة طرق لتحقيق سياسة مالية ناجحة لدول العالم

يشهد العالم تغيرات اقتصادية كبيرة خلال القرن الحالي، حيث أدى الابتكار التكنولوجي السريع إلى إعادة تشكي لطريقتنا السابقة في الحياة والعمل؛ فزاد ترابط البلاد بسبب التجارة والتمويل الدوليين، والهجرة، ووسائل التواصل على مستوى العالم، الأمر الذي أدي إلي تعرض العمالة المحلية لمنافسة خارجية أكبر، وانعدام الأمن، خاصة في الاقتصادات المتقدمة.


رصد تقرير "الراصد المالي" الصادر مؤخراً عن صندوق النقد الدولي، أبرز نتائج الابتكار التكنولوجي المتزايد، الذي يتطلب حلولا جديدة أكثر ابتكارا، لمواجهة سلبياته، وتمثل الحل  في مصطلح "سياسات المالية العامة الذكية" كما أطلق عليه التقرير، ويقصد بهذا المصطلح السياسات التي تسهل من عملية التغيير، وهناك خمس مبادئ إرشادية ترسم حدود هذه السياسات المالية الذكية، وصفها الفصل الأول في عدد إبريل 2017 من تقرير الراصد المالي، وهي:  


1-اتباع سياسة مالية عامة "مرنة".


وتعني استخدام سياسة المالية العامة لتمهيد تقلبات الدورة الاقتصادية، لان لكل نظام اقتصادي دورة اقتصادية يتعرض خلالها لتقلبات عديدة، ففي أوقات الأزمات يتم تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق لزيادة الموارد لدى الشركات والمستهلكين، على العكس في أوقات الرخاء فإنه يتم تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب.


ولسياسة المالية العامة دور أكبر في تحقيق الاستقرار الاقتصادي اليوم مقارنة بالسابق، لأن البنوك المركزية في كثير من الاقتصادات المتقدمة خفضت أسعار الفائدة حتى تكاد تصل إلى الصفر.  


وفي الظروف العادية، ينبغي أن تعتمد سياسة المالية العامة المضادة للاتجاهات الدورية أو المرنة، على "أدوات الضبط التلقائي"، وهي النفقات والإيرادات التي يمكن أن تتكيف مع ما يمر به الاقتصاد من فترات صعود وهبوط، ومثال ذلك تأمينات البطالة، ففي فترات الهبوط الاقتصادي يصبح من فقدوا وظائفهم مؤهلين تلقائيا للحصول على إعانات حكومية.


ولكن استخدام سياسة المالية العامة لتمهيد تقلبات الدورة الاقتصادية لا يكون ممكنا في كل الحالات، فبعض البلدان قد تضطر إلى التركيز على تخفيض عجز المالية العامة بغض النظر عن الأوضاع الدورية، وعلى سبيل المثال تعرَّضت البلاد المصدرة للنفط، مثل المملكة العربية السعودية، لضرر بالغ من جراء انخفاض سعر النفط الخام بأكثر من 50% بعد الذروة التي بلغها في عام 2011. ويجب على هذه البلدان تخفيض الإنفاق للوصول به إلى مستوى يتناسب مع انخفاض الإيرادات، وهو ما بدأت هذه البلاد بالفعل في تنفيذه، ومن المتوقع أن ينخفض عجز موازناتها العامة المجمعة بنحو 150 مليار دولار أمريكي في 2017 و2018.


2-اجراءات محفزة للنمو


يمكن استخدام إجراءات الضرائب والإنفاق لدعم المحركات الثلاثة للنمو الاقتصادي طويل الأجل، وهي رأس المال مثل الآلات والطرق وأجهزة الكمبيوتر، والعمالة، والإنتاجية وهي مقدار إنتاج كل عامل في الساعة الواحدة.


أولا: رأس المال، هناك دواع قوية لزيادة الاستثمار العام نظرا لانخفاض تكاليف الاقتراض في عدد كبير من البلاد، والتي تعمل بجد علي جذب الاستثمارات إليها، بهدف تحقيق معدلات نمو وخلق فرص عمل لمواطنيها.


العمالة: ينبغي أن تواصل البلاد تشجيع خلق فرص عمل والمشاركة في سوق العمل. ويمكن للاقتصادات المتقدمة أن تخفض ضرائب الأجور والرواتب إذا كانت مرتفعة، وتزيد من استخدام سياسات مثل المساعدة في البحث عن فرص العمل والتدريب، واعتماد إجراءات للإنفاق تستهدف المجموعات الضعيفة مثل العمالة محدودة المهارات وكبار السن. ويمكن للأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تحسين فرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم.


الإنتاجية: هناك طائفة من السياسات يمكن أن تعزز الإنتاجية، ومنها إدخال تحسينات على النظام الضريبي، مثلما يوضح الفصل الثاني من تقرير الراصد المالي.


3-إحتواء جميع أفراد المجتمع.


 ساهمت العولمة والتغير التكنولوجي كمحركين أساسيين في النمو والتقارب بين البلدان، فقد تم انتشال أكثر من مليار فرد من الفقر منذ أوائل الثمانينات، ولكن في نفس الوقت زاد عدم المساواة في توزيع الدخل في كثير من البلدان، ففي الاقتصادات المتقدمة زاد أعلى 1% من الدخول بمعدلات سنوية تقارب ثلاثة أضعاف الزيادة في دخول بقية السكان على مدار العقود الثلاثة الماضية.


وتعتبر الضرائب والإنفاق العام أدوات فعالة لضمان العدالة في توزيع ثمار النمو داخل كل بلد، ومثال ذلك التحويلات النقدية المشروطة (كالتي تُصرف إلى الأسر الفقيرة شريطة أخذ الأطفال إلى العيادات الصحية والتحاقهم بالمدارس)، التي تم استخدامها بنجاح لتقليص فجوة عدم المساواة في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية.


وينبغي أيضا أن يكون لسياسة المالية العامة دور مساعد في إشراك السكان إشراكا كاملا في الاقتصاد، ومن خلال تحسين فرص الحصول على التعليم والتدريب والخدمات الصحية، بالإضافة إلى التأمينات الاجتماعية.


4- ضرائب 


وهنا تسأل التقرير عن كيفية أن يحقق صناع السياسات سياسات مالية عامة بنجاح بينما بلغ الدين العام مستويات مرتفعة تاريخية؟ من أين يأتون بالموارد اللازمة؟ 


تحتاج الحكومات إلى طاقة ضريبية قوية؛ لأن فرض الضرائب يعتبر مصدر إيرادات ثابت وقابل للتعديل يمكن الاستعانة به وقت الحاجة، ويمثل هذا المصدر عاملا أساسيا أيضا في تحديد قدرة البلدان على سداد ديونها


الضرائب كنسبة من الناتج المحلي


5- اتباع سياسة المالية العامة حذرة


أوضحت الأزمة المالية العالمية أن الماليات العامة معرضة لمخاطر كبيرة غالبا ما تقدر بأقل من قدرها، فعمليات الإنقاذ للبنوك والركود الاقتصادي العميق وصلا بالدين العام في الاقتصادات المتقدمة إلى مستويات غير مسبوقة في فترات السلم، وتحتاج الحكومات إلى فهم أفضل للمخاطر التي تتعرض لها وإلى اعتماد استراتيجيات لإدارتها، وتقدم الصين مثالا لأهمية السياسات المالية الحذرة، فقد ارتفع الدين في الصين بسرعة بالغة في السنوات الماضية، وتدرك السلطات الحاجة إلى تخفيف وتيرة تراكم الديون والحد من المخاطر المالية، من أجل إعادة التوازن مرة أخري.