التوقيت الخميس، 02 مايو 2024
التوقيت 05:46 م , بتوقيت القاهرة

"قواعد اللعبة" تكشف أسباب انهيار النفط

لم تكن مفاجآة أن تشهد أسعار النفط مزيد من الهبوط أواخر أيام عام 2014، بعد الانهيار الذي سجله المعدن الأسود منذ شهر يونيو الماضي، والذي أفقده نحو 50% من قيمته.


وتفاقمت خسائر النفط متجاوزا أدنى مستوى منذ أكثر من 5 أعوام، مع توقعات بمزيد من الهبوط خلال عام 2015، وأنهى خام برنت القياسي عام 2014 حول مستوى 57 دولارًا للبرميل، بينما بلغ سعر الخام الأمريكي نحو 53 دولارًا، وهى مستويات لم يصل لها النفط منذ عام 2009.


وتجيب النظرية الاقتصادية التي عادة ما يتقنها السياسيون ويعلمون مفاتحيها الرئيسية عن تساؤل أسباب انهيار النفط المفاجئ والسريع بعبارة هى الأكثر استخدامًا فى كتب الاقتصاد "العرض والطلب".


إذا أراد شخص أو مؤسسة أو دولة أن تبيع شيئًا بثمن مناسب فيجب أن تضمن وجود طلب على هذا الشئ أكثر من المعروض منه.


وتعمل الأسواق باستراتيجية التوقعات وليس الفعل على الأرض، حيث أن السوق يرى ما سيحدث، وليس ما يحدث فعلا، فهو يهتم بتوقعات القادم، كيف يبدو.. هل سينخفض المعروض من هذه السلعة؟ هل سيتوفر بسهولة وبكثرة؟


 


 

 


وعادة كانت مفاتيح "العرض" تنحصر بين منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بقيادة السعودية، وبعض الدول الأخرى من خارج المنظمة مثل روسيا وفنزويلا، بينما تقع عوامل الطلب على أكبر المستورديين مثل الصين واليابان والولايات المتحدة وأوروبا.


العالم يعاني "الطلب ينخفض"


تشهد عدد من أهم الاقتصاديات العالمية أزمات ملحوظة في الوقت الحالي، ومتوقع أن تستمر لفترة قد تطول، وهو ما أثر على جانب الطلب الفعلي والمتوقع للنفط، وبالتالي على أحد محددات السعر في السوق.


فالصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم تعاني من تباطؤ في النمو الاقتصادي، إذ كشف مسح مماثل للقطاع الخاص تقلص النشاط في ديسمبر وذلك للمرة الأولى في سبعة أشهر، كما أظهرت دراسة حكومية أن المؤشر الرسمي لمديري المشتريات في الصين تراجع إلى 50.1 في ديسمبر من 50.3 مسجلا أدنى مستوياته خلال العام الماضي، متشبثا بمستويات أعلى قليلا من 50 نقطة وهو الحد الفاصل بين النمو والانكماش على أساس شهري.


وعانت الصين خلال العام من تباطؤ النمو الاقتصادي، وهبوط أسعار العقارات لنحو 5 أشهر متتالية، وما تبعها من مخاوف بشأن ديون الشركات لدى البنوك، حيث يتجه معظم المقترضين للحصول على الأموال بضمان العقارات.


وانخفض نمو الاقتصاد الصيني إلى 7.3% في الربع الثالث من 2014، وهو المعدل الأقل منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، كما خفض البنك المركزي الصيني توقعاته لنمو الاقتصاد في عام 2015 إلى 7.1% وهو أدنى معدل نمو سجلته البلاد منذ تسعينات القرن الماضي، مقارنة بتوقعات سابقة للنمو بلغت 7.4%.


أما لليابان ثالث أكبر اقتصاد عالمي، فتعاني من انكماش اقتصادي متواصل، مع تراجع حاد في معدلات التضخم، والأجور، وسط محاولات غير ناجحة حتى الآن لرئيس الوزراء "شينزو آبي" لتنشيط الاقتصاد.


وانكمش الاقتصاد الياباني خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2014، بعد تطبيق زيادة على ضرائب المبيعات في شهر إبريل الماضي، ما دفع "آبي" للدعوة لانتخابات مبكرة في البلاد، نجح خلالها في الفوز وتوليا لمنصب مجددًا، فيما يمثل تفويض شعبي للعمل على حل الأزمة الاقتصادية.


ويسعى رئيس الوزراء الياباني لتنشيط الاقتصاد عن طريق دفع الشركات لزيادة الأجور الذي من شأنه رفع معدلات الإنفاق والتشغيل ودعم النمو، كما أقر بنك اليابان حزمة تحفيزية للاقتصاد بنحو 29 مليار دولار، لضخ مزيد من الأموال في شرايين السوق.


على الجانب الثالث تظهر دول اليورو في وضع اقتصادي متأزم، بعد تباطؤ التعافي الاقتصادي من الأزمة المالية في 2008، حيث تواجه منطقة العملة الأوروبية الموحدة أزمتي النمو والتضخم، بالإضافة إلى اليونان.


وسجل معدل النمو الاقتصادي لدول اليورو خلال الربع الثالث من 2014 نحو 0.2%. وأفلتت ألمانيا التي تعد أكبر اقتصاد أوروبي من الركود بتسجيل نمو بلغ 0.1%، وفي فرنسا (ثاني أكبر اقتصاد في اليورو) 0.3%، بينما ظل معدل النمو سالبا في إيطاليا.


كما تراجع معدل التضخم في دول اليورو مجتمعة إلى 0.3% في شهر نوفمبر الماضي بسبب تراجع أسعار النفط، وهو أقل من المستهدف الرسمي للبنك المركزي الأوروبي عند مستوى 2%.


وتواجه أوروبا أزمة إحجام المستثمرين والمستهلكين عن الإنفاق في الوقت الحالي، بسبب توقعهم مزيدا من الهبوط في الأسعار في المستقبل القريب، وهو ما يؤدي لتراجع النشاط الاقتصادي والنمو و يدفع الأسعار لمزيد من الهبوط ، وسط توقعات لنائب رئيس البنك المركزي الأوروبي بتراجع معدلات التضخم لمستويات "سالبة" خلال عام 2015


النفط الصخري يضرب بقوة


"ثورة نفطية" هو التعبير الذي اختاره العالم لوصف الزيادة الكبيرة في الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة خلال عام 2014، بعد أن قفز إنتاج النفط الصخري بنحو الثلث، ليصل إلى 9 ملايين برميل يوميًا.


وزادت الولايات المتحدة من عمليات التنقيب عن النفط الصخري بشكل كبير منذ عام 2010، كما نجحت شركات الطاقة في استخراج نفط صخري من حقول كان يٌعتقد أنها غير قابلة للإنتاج.


وأنهت الولايات المتحدة عام 2014 بإعلان وزارة التجارة الأمريكية موافقتها على طلب بعض التجار بتصدير الخام الأمريكي، بعد سنوات طويلة من رفض أي محاولات للتصدير إلى الخارج.


وأصدرت الوزارة وثيقة توضح أنواع النفط التي يمكن للمصدرين الآخرين شحنها، مع إمكانية تصدير ما يصل إلى مليون برميل يوميًا من الخام الأمريكي.


واعتبرت وكالة "رويترز" أن هذه الخطوة من شأنها أن تفتح جبهة جديدة في معركة النفط الدائرة حاليًا بين المنتجين للسيطرة على أكبر حصة سوقية ممكنة.


الموقف السعودي يثير الحيرة


ويثير الموقف السعودي تجاه انهيار أسعار النفط حيرة الكثيرين، مع تباين التحليلات بشأن أسباب تصميم الرياض على الاستمرار في ضخ نفس معدلات الخام، رغم هبوط السعر.


وكانت السعودية أصرت تثبيت الإنتاج وعدم تخفيضه على  في اجتماع أعضاء "أوبك" نهاية شهر نوفمبر الماضي، رغم معارضة دول مثل فنزويلا وروسيا وإيران وغيرها، مع تضرر اقتصادياتهم بشكل حاد.


وعانى الاقتصاد الروسي من أزمة كبيرة ، إذ خسر الروبل الروسي نحو 44% من قيمته في عام 2014، ليحتل المرتبة الثانية كأسوأ العملات أداءً في العام، كما شهد معدل التضخم ارتفاعًا لأعلى مستوى منذ 2008، مع توقعات انكماش الاقتصاد بنسبة 4% في عام 2015.


 


 

 


واختلف المتابعون بشأن أسباب القرار السعودي بتثبيت إنتاج النفط، حيث يرى بعضهم أن المملكة تسعى للاحتفاظ بحصتها السوقية وعدم التنازل عن جزء منها لصالح منافسين آخرين في حال تخفيض الإنتاج، في حين يعتقد آخرون أن الرياض تسعى لـ"ضرب" النفط الأمريكي الذي يحتاج لارتفاع الأسعار ليظل انتاجه مجديًا من الناحية الاقتصادية، في حين يشير رأي ثالث إلى أن الأمر عبارة عن اتفاقًا بين السعودية وواشنطن لتركيع روسيا وإيران اللذان يعتمدان بشكل شبه رئيسي على إيرادات النفط كمصدر للدخل.


وعلى الجانب الآخر، يعتقد آخرون أن الأمر ببساطة هو أن المملكة لم تعد تسيطر على سوق النفط، فإنتاج الدول الغير منتمية لأوبك ارتفع بشكل كبير مؤخرًا، كما أن النفط الأمريكي سجل قفزة تاريخية، ما شكل تغيرًا في قواعد اللعبة افقد الرياض سيطرتها على جانب العرض.


وماذا بعد؟


تشير التوقعات إلى استمرار الضغوط على أسعار النفط خلال عام 2015، مع تواصل الأزمات الاقتصادية في الصين واليابان ومنطقة اليورو من ناحية، وارتفاع المعروض من الخام من ناحية أخرى.


وفي حال ما إذا استمر الوضع على جانبي العرض والطلب كما كان في النصف الثاني من عام 2014، فمن المنطقي أن يتواصل هبوط أسعار النفط نحو مستويات أدنى في العام الجديد.


وخفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو حركة الطلب العالمي على النفط في عام 2015، مشيرة إلى أنه من المرجح أن تتعرض أسعار النفط لمزيد من الضغوط النزولية.


وقلصت المنظمة من توقعاتها لنمو الطلب في عام 2015 إلى 900 ألف برميل يوميًا، وتوقعت أن يزيد ارتفاع إمدادات المعروض من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول -أوبك- من تخمة المعروض.