التوقيت الأربعاء، 01 مايو 2024
التوقيت 11:35 ص , بتوقيت القاهرة

"الإخوان في ألمانيا": سر علاقة الجماعة بهتلر ولماذا احتضنتهم أمريكا؟

"الإسلام الراديكالي"، مصطلح انتشر في الآونة الأخيرة مع تنامي التنظيمات الإسلامية المتشددة حول العالم، سواء بالوصول إلى السلطة في بعض البلدان، أو وجود تنظيمات أخرى إرهابية مثل داعش والإخوان، وبدأ الغرب يردد هذا المصطلح كثيرا، لكن بشكل عام هل ظهورها في الغرب تزامنا مع تنامي اليمين المتطرف في أوروبا كان وليد الصدفة، أو بمعنى آخر هل ظهرت حديثا فقط؟، أم أن لها أصول تضرب بجذورها في عبق الماضي السحيق؟.

انتشر وجود جماعة الإخوان الإرهابية في أوروبا مؤخرا، بعد أُفول نجمهم في الشرق الأوسط والدول العربية، خاصة بعد ظهور نواياهم السلطوية الحقيقية، وإعلاء مصالحهم على مصالح الوطن، ونركز في هذا التقرير على التواجد الإسلامي في ألمانيا ثم ازدهار وجود جماعة الإخوان في بلاد المانشافت.

البداية.. مسجد "فونسدورف"

يعتبر عام 1922 هو تاريخ ميلاد أول تنظيم سياسي إسلامي في ألمانيا والذي اتخذ من مسجد "فونسدورف" ببرلين مقراً له، وبعدها قام الإمام صدر الدين من دولة الهند، بتأسيس تنظيم "رابطة المسلمين الألمانية" والتي تغير اسمها عام 1930 إلى "الجمعية الألمانية الإسلامية".  

وفي عام 1927 تم تأسيس "المجلس المركزي لقلم المحفوظات الاسلامي في المانيا" والذي لا يزال قائما حتى اليوم، ثم تلاه تأسيس "الفرع الألماني لمؤتمر العالم الإسلامي" عام 1933.

ألمانيا تحارب بالإسلام السياسي

قررت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية عام 1942، استخدام أداة الإسلام السياسي ضد الاتحاد السوفيتي وقيام الدعاية النازية في مناطق القوقاز، الخاضعة للحكم السوفيتي، والغنية بحقول النفط، بتشجيع الشباب المسلم على الهروب والانضمام للجيش النازي، بدعوى تحرير القوقاز، ومنح شعبه حق تقرير مصيره.

هتلر والإخوان

وكمكافأة لهم قام الأب الروحي للشباب المسلم في الجيش النازي "جيرهال ون " بإعطائهم وعد ببناء مسجد في مدينة ميونخ. ومن هنا وجد الإخوان المسلمين فرصة سانحة للتعاون مع هتلر،وتم ارسال مفتي القدس آنذاك الشيخ محمد أمين الحسيني، إلى ألمانيا، وبالفعل استطاع خلال 3 سنوات تجنيد آلاف الشباب من دول البلقان "ألبانيا وكوسوفو والهرسك".

الدور الحقيقي لمسجد ميونخ

يقول الباحث الكندي إيان جونسون، في كتابه "مسجد في ميونخ"، أن الغرض الأساسي من تأسيس مسجد ميونخ كان القيام بدور سياسي وليس دور ديني.

ومع اكتمال بناء المسجد، بدعم من المخابرات الأمريكية، أصبح المسجد هو مقر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، كما أصبحت ألمانيا مركز التنافس بين عملاء الاستخبارات الغربية، وانتخب رئيسا للمسجد سعيد رمضان، عميل ال CIA، والذي مولته المخابرات الأمريكية ليدعو إلى مؤتمر اوروبي في ألمانيا في نفس العام.

أمريكا أيضا تحتضن الإخوان

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وهزيمة ألمانيا وانتصار السوفييت ودول الحلفاء، واحتلال دول الحلفاء لألمانيا، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد اتخذت قرارها بالقيام بدور المانيا واستغلال الإسلاميين كسلاح دمار شامل ايديولوجي في مواجهة موسكو.

وكانت قد صدرت توصية اثناء الولاية الثانية للرئيس الامريكي آيزنهاور، من لجنة مكونة من وزارة الخارجية الامريكية و CIA، والوكالة الامريكية للمعلومات بضرورة احتضان جماعة الاخوان المسلمين.

تطور العلاقة بين الإخوان والحكومة الالمانية

وأوضح الباحث الألماني غيدو شتاينبرغ، في كتابه "الغرب والاخوان بعد ثورات الربيع العربي"  أن العلاقة بين الحكومات الألمانية و جماعة الإخوان المسلمين مرت بثلاث مراحل رئيسية:

-المرحلة الأولى: في اواخر الخمسينات وحتى عام 1979،  واقتصرت فيها العلاقات الألمانية الإخوانية على الاتصالات السرية ما بين عناصر الجماعة وأجهزة الاستخبارات الألمانية.

-المرحلة الثانية: منذ عام 1979 وحتى عام  2011،  حيث اكتسبت جماعة الإخوان اهتماما متزايدا من اجهزة الاستخبارات الالمانية، وزاد التعاون الاستخباراتي بصورة كبيرة بعد نشوب الثورة الاسلامية في ايران.

-المرحلة الثالثة: مع بداية ثورات الربيع العربي.

تطور الوجود الإسلامي  بألمانيا

يعتبر عام 1958 هو نقطة تحول للوجود الإسلامي بألمانيا،  حيث أنشأ فيه اقدم واقوي المؤسسات الإسلامية الأوروبية وهي "الجمعية الاسلامية في المانيا, IGD" والتي تمثل الإخوان المسلمين في ألمانيا، وعضو في اتحاد المنظمات الاسلامية في اوروبا.

وكان قد أسس الجمعية الإسلامية في ألمانيا سعيد رمضان، أحد الرواد الأوائل للاخوان في المانيا، والسكرتير الشخصي لمؤسس الجماعة حسن البنا.

إبراهيم الزيات وتنامي دور الإخوان في ألمانيا

بدأت جماعة الإخوان المسلمين في أخذ خطواتها نحو تقوية دورها السياسي بألمانيا، وذلك عن طريق تعاون ابراهيم الزيات، رئيس الجمعية الإسلامية وأحد قيادات الإخوان المصريين مع منظمة رؤيا الملة " Mili Guros"، تحت قيادة زعيمها رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان، رئيس حزب الرفاه المحظور في تركيا، والتي وصفتها دائرة حماية الدستور الألماني في تقرير لها ب "منظمة المتطرفين الأجانب"، مما دفع أستاذ العلوم السياسية والخبير في الارهاب الاسلامي بجامعة ليونبيرج أودو ألفكوته، إلى التحذير من خطورة ازدياد الدور السياسي للإخوان المسلمين بألمانيا،  وان المنظمتان باتتا تمثلان المجتمع المسلم في ألمانيا برمته.

إخوان التسعينات في أوروبا أكثر قوة

مع بداية التسعينات، تكونت في أوروبا العديد من المنظمات والهيئات الإسلامية مثل:

-اتحاد المنظمات الإسلامية ومقره بروكسل وهدفه لم شمل جماعات الإخوان في أكثر من 20 دولة.

-المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث ومقره دبلن.

-المعهد الأوروبي للعلوم الحديثة.

بالإضافة إلى كيانات اقتصادية عديدة لتوصيل التمويل الخليجي. اليي الحركات التابعة للاخوان.

وفي عام 1994، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين تمتلك تسع علي الاقل من 19 منظمة تم إنشاؤها في نفس العام، بما فيها الجمعية الإسلامية والمركز الإسلامي  في ميونخ،   و المركز الإسلامي في آخن، مما منحها تأثيرا سياسيا متزايدا.

لماذا ألمانيا؟

تظل ألمانيا هي الملجأ القديم الحديث لجماعة الإخوان المسلمين، نظراً لما حققته من نجاح غير مسبوق في ترسيخ أقدامها في الداخل الألماني بداية من منتصف القرن الماضي، وذلك لعدة عوامل من أهمها التمويل الخليجي السخي، وعدم يقظة النخب الأوروبية للخطاب المزدوج لهذه الجماعة، بالإضافة إلى خشية الألمان من أن يتهموا بالعنصرية ضد المسلمين.

اكتساب الشرعية السياسية

يؤكد الدكتور لورينزو فيديو، الباحث في مركز الدراسات الأمنية بسويسرا ومؤلف كتاب "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب"، أن اجتماع السياسيين الأوروبيين مع المنظمات المتطرفة كان من شأنه إضفاء الشرعية على تنظيم الإخوان، وتعاظم قوة تأثيرهم السياسية في المجتمع الألماني، عن طريق المؤسسات الإسلامية العديدة التي تشرف على المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في أكثر من 30 مدينة ألمانية،  كما احتل العديد من كوادر الاخوان مواقع بارزة في ألمانيا مما وطد من نفوذهم وجعل من المانيا قاعدة لانطلاقهم إلى أوروبا.

زيادة عدد المسلمين الألمان

يعتبر المسلمون في ألمانيا من أكبر الأقليات الدينية بعد المسيحيين، بينما تم رصد طفرة مفاجئة في زيادة عدد السكان المسلمين ليصل إلى 6 مليون مسلم تقريباً، ومع ازدياد معدلات المواليد لدى أبناء الجالية المسلمة لوحظ زيادة في النمو الديمغرافي بنسبة 1.6% سنوياً.

كما تسببت الهجرة بأعداد كبيرة إلى زيادة عدد المسلمين بصورة واضحة، بالاضافة الى الاقبال المتزايد على اعتناق الإسلام من قبل المواطن الألماني.

وتواجه السياسة التي تتبعها ميركل، هجوماً متزايدا،  ففي مقال بعنوان "أسلمة ألمانيا"، والذي نشره معهد "جيت ستون"  تم انتقاد ميركل بشدة واتهامها بانها تجلب إلى ألمانيا المتطرفين الإسلاميين والعرب المعادين للسامية،  كما أكدت كاتبة المقال على عدم جاهزية القوات الألمانية لمواجهة العنف الإسلامي المحتمل.

فهل تظل ألمانيا في غفلتها السياسية وفي تعاملها مع المتطرفين الاسلاميين انهم حلفاء الواقع و شركاء المستقبل؟ ام يشهد العالم الفترة القادمة تغيير في ترتيب أوراق المشهد السياسي الألماني؟