التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 01:36 ص , بتوقيت القاهرة

فتاوى أحلت الخمر في التاريخ الإسلامي

كتب- محمد عبدالحليم:

من حين لآخر، يطالعنا شيخ على الفضائيات، معلنا أن الخمر ليست محرمة فى الإسلام، فيرد عليه آخرون، مفندين رأيه، وعارضين أدلة تحريمها، قبل أن يخرج علينا آخر قائلا إنه يجوز شرب القليل منها دون السُكر.

وكان آخر من أفتوا بعدم تحريمها، الشيخ المنتدب من قبل مشيخة الأزهر إلى دولة استراليا، مصطفى راشد، الذي أكد أن شرب الخمر ليس محرما، مؤكدا أن من يدعي حرمتها يكذب على الله، وأضاف أن الآيات القرآنية التي تطرقت إلى الخمر لم تقل بـ"تحريمها" مثل "الدم والميتة ولحم الخنزير" وغيرها، بل أمر الله في القرآن بـ”تجنبها”، والتجنّب لا يدل على التحريم.

فما قصة تحليل شرب الخمر في الإسلام؟

المذاهب المالكية والشافعية والحنبلية تفتي بالتحريم القطعي لكل المسكرات، لكن من يبيحون شرب القليل من الخمر أو تحليل أنواع منها يستندون إلى اختلاف آراء بعض فقهاء المذهب الحنفي، وتفسيراتهم لكلام أبي حنيفة.

يقول ابن حزم الأندلسي في المحلى: (أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا طُبخ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، وإن أسكر كل ذلك، فهو عنده حلال، ولا حدّ فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر، وإن سكر من شيء من ذلك فعليه الحد، وإن شرب نبيذ تين مسكر، أو نقيع عسل مسكر، أو عصير تفاح مسكر، أو شراب قمح أو شعيرا أو ذرة مسكر، فسكر من كل ذلك أو لم يسكر، فلا حد في ذلك أصلا).

الشعير ليس حراما

وكان رأى علاء الدين الكاساني الحنفي، موافقا للرأي السابق، فقال (وأما الأشربة التي تتخذ من الأطعمة كالحنطة والشعير والدَخَنْ والذرة والعسل والتين والسكر ونحوها، فلا يجب الحدّ بشربها، لأن شربها حلال عند أبو حنيفة وأبو يوسف القاضي، وعند محمد بن الحسن الشيباني، أحد أبرز تلاميذ أبي حنيفة وفقهاء المذهب الحنفي، وإن كان حراما فهي حرمة محلّ الاجتهاد، فلم يكن شربها جناية محضة فلا تتعلق بها عقوبة محضة، ولا بالسكر منها).

عصير العنب فقط

قال الحافظ الفقيه أبو جعفر الطحاوي الحنفي، في شرح معاني الآثار، في سياق كلامه عن الأشربة المحللة والمحرمة بعد أن خصص الخمر بما كان متخذا من العنب فقط، مخالفا في ذلك إمام مذهبه أبي حنيفة، الذي أضاف التمر والزبيب: "ونحن نشهد على الله عز وجل أنه حرّم عصير العنب إذا حدث فيه صفات الخمر، ولا نشهد عليه أنه حرّم ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة، فالذي نشهد على الله بتحريمه الذي آمنا بتأويلها من حيث آمنا بتنزيلها، فما كان من خمر فقليله وكثيره حرام، وما كان سوى ذلك من الأشربة، فالسكر منها حرام، وما سوى ذلك مباح، هذا هو النظر عندنا، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله، غير نقيع الزبيب والتمر خاصة، فإنهم كرهوا".

النبيذ ليس حراما

قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي، في التمهيد في شرح الموطأ، بعد أن ذكر اتفاق الفقهاء على حرمة نبيذ العنب المسكر: "واختلف الفقهاء في سائر الأنبذة المسكرة، فقال العراقيون: إنما الحرام منها المسكر، وهو فعل الشارب، وأما النبيذ في نفسه فليس حراما، ولا نجسا، لأن الخمر العنب".

وقال ابن رشد القرطبي، في بداية المجتهد، "وقال العراقيون، إبراهيم النخعي من التابعين، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وابن شبرمة، وأبو حنيفة، وسائر فقهاء الكوفيين، وأكثر علماء البصريين إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين".

جاء في تاريخ بغداد قول علي ابن خشرم "قلت لوكيع: رأيت ابن عليه -إسماعيل بن إبراهيم الأسدي- يشرب النبيذ حتى يُحمل على الحمار يحتاج من يردّه إلى منزله، فقال وكيع: إذا رأيت البصري يشرب فاتهمه، وإذا رأيت الكوفي يشرب فلا تتهمه. قلت: وكيف؟: قال: الكوفي يشرب تدينا، والبصري يتركه تدينا".

وكانت هذه هى نبتة فتاوى التحليل، الذى استندت عليها كل الفتاوى، حتى وقتنا الحالي.