التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 06:08 م , بتوقيت القاهرة

السيسي في ألمانيا: الحياة وجهات نظر

سأتحدث عن الرئيس السيسي والوفد المرافق له في ألمانيا، ولكن بعد أن أبدأ من مصر. بالتحديد هذا الحوار بين سيدة وأحد النشطاء السياسيين في وقفة أمام نقابة الصحفيين.


النشاط السياسي الحقوقي عمل مهم جدا جدا. وله أثر في تقدم المجتمعات. لكن أهمية الغرض - مثل أي مهنة في الدنيا - لا تغني أبدا أبدا عن حرفيتها، أي الكفاءة فيها. الطب رسالة عظيمة، لكن هذا لا يعني أن كل طبيب عظيم. الرسالة لا تنعكس على الرسل، الأهم منها الكفاءة، والحرفية.


لو لديك وقت شاهدي هذا الفيديو. ولو الوقت غير متاح فاكتف بالجزء الذي اقتبسته من الحوار بين سيدة بسيطة وبين ناشط سياسي.


السيدة تلومه على شعار "يسقط حكم العسكر"، معتبرة أن الجيش هو الذي حافظ على كرامة الشعب المصري، وأمنه في منازله، بدل أن يحدث معه مثل ما حدث في سوريا والعراق.



الناشط: فين مليارات الخليج؟


السيدة: المشاريع اللي بقالهم سنة عمالين يعملوها ببلاش! قناة الـ ــــــ


الناشط (مقاطعا): انت عاد عليك حاجة؟ استفدتي؟


السيدة: هي في يوم وليلة هتطلع؟! (يا عم ماتقولش كده دا بلدك، بلدك اللي انت عاوز توقعها. توكل كرمان دي، توكل كرمان ــــ).


الناشط (بصوت منفعل متأثر): بلدي أنا العسكري، أنا العسكري، أنا الجندي اللي بيشيل السلاح وبيحارب عنها. بلدي مين اللي بتتكلمي عنها؟! بلدي الظابط ما بيقف لهاش العسكري اللي بيقف لها. العسكري اللي بيموت. في سينا العسكري اللي بيموت. الظابط قاعد في المكتب. العقيد قاعد في المكتب.


السيدة: بلدك أمريكا اللي محمد صلاح (تقصد محمد صلاح سلطان) باس أرضها امبارح.


صوت الناشط والسيدة متداخلان. ثم تصمت السيدة وتطيل إليه نظرة متفحصة. ويبرز صوت الناشط مستمرا في جملته السابقة: في سينا العسكري بيموت. الظابط قاعد في المكتب. العقيد قاعد في المكتب.


السيدة: كلهم بيموتوا.


الناشط: أخويا العسكري اللي بيموت. العسكري اللي بيموت.


السيدة (وهي تحرك كفها وأصابعها بحركة فك محبس ماء، حركة اطلع من دول): يا واد! يا واد يا مهيجاتي! أنا عندي اتنين يا خويا جنود وف سينا.


الناشط: واحد فيهم هيموت، والتاني بحسرة عليه.


السيدة: انشالله الاتنين يموتوا واروح بدالهم.


هذا تفريغ حرفي لما دار في الحوار، لا أريد منه الانتصار لرأي على الآخر، إنما أريد منك أن تقرئي الحوار بموضوعية وتري أي الطرفين تحدث بحجة أكثر تماسكا واتساقا من الآخر. لماذا؟


لكي أصل إلى موضوع المقال: كل شيء في العالم له أكثر من وجهة نظر. لا تستهيني أبدا بوجهة نظر الآخرين، لا تعتقدي أبدا أن مستوى تعليمك، أو نشاطك السياسي، يعني أنك بالضرورة تملكين الحكمة المطلقة. تفهمي الآخرين فلربما تجدين في ذلك بصيرة.


مال هذا وموضوع ألمانيا؟


أحد أضعف جوانب أداء مساعدي الرئيس هو الجانب المسؤول عن العلاقات العامة. مشكلة هذا الجانب أنه الأكثر مسؤولية عن حفر الصورة الذهنية في عقول الناس. وبالتالي فوجئت بهذا الوفد الشعبي المصاحب للرئيس إلى ألمانيا. وقلت لنفسي إن العلاقات العامة لا تزال تعوزها الثقة، أهم شيء الثقة، ثم المعرفة بتفاصيل المهام. لا تزال تتعامل مع المحيط الخارجي كما يتعامل قروي وافد حديثا مع المدينة. النقطة هنا هي "التناسب"، وليس تفضيل سلوك على آخر. سلوك القرية لا ينفع مع المدينة. سلوك المحلي لا ينفع مع العالمي. بيان السفارة المصرية في ألمانيا على السوشال ميديا كان صادما.



اصطحاب شخص مدان بحكم قضائي لكي يكون واجهة التغطية الإعلامية رسالة سيئة جدا.


الوفد الفني غير مفهوم. سأبقى مع هذه النقطة. التي كانت بالنسبة لي أمرا محسوما.


تمام؟ تمام.


لكنني راجعت نفسي: هناك وجهة نظر أخرى تقول إن المرشحين السياسيين في كل العالم يستخدمون الفنانين لحشد التأييد. وأن المقصود باصطحاب الفنانين ليس التأثير في الألمان، بل في الجاليات العربية التي تعيش في ألمانيا.


لا يهم أن أقتنع بوجهة النظر الأخرى أم لا. المهم أن أقدر أنها موجودة. لأنها ستفيدني في رؤية أمور أخرى. وقد فعلت. وجدت أن بعض المعترضين على اصطحاب الفنانين، مثلا، معترضون كرها في الفن. وبعضهم - بتوع فين العلماء - احتقارا للممثلين (لدرجة أنهم استخدموا تعبير مشخصاتية). وبعضهم لأنه ظن أن الغرض والمستهدف هو الألمان، ولم يفكر في غرض الحشد الشعبي المضاد لحشد الإخوان. وبعضهم لم يفكر في غرض تشتيت الانتباه إلى موضوع الفنانين لكي يكونوا مرمى السهام من حشد الإخوان.


ستبقى فئة المعترضين على الأسماء. وهذه قصة شرحها يطول عن حال الفن في مصر ووظيفته ومستواه، وعن تجدد الوجوه فيه. لكنها هنا لا تهمني. كل ما يهمني لغرض هذا المقال هو نبذ اليقين. تعويد نفسي أن أرى ما أرى، ولكن أظل - ولو من نافذة ضيقة - قادرا على رؤية ما يراه الآخرون.