التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 11:36 م , بتوقيت القاهرة

محمد سلطان إذ سجد للقيم الأمريكية العظيمة

لو لم يكن في الصراع الإخواني كله من مشهد إلا مشهد سجود محمد سلطان على أرض المطار الأمريكي ليقبله لكفى به مشهد هزيمة. وأنا لا أعني هنا الانكسار الإنساني المتعلق بإنسان في السجن، وهو شيء يمكن أن يحدث لأي إنسان، إنما أعني الهزيمة القيمية لجماعة الإخوان المسلمين.



لقد أرسل محمد سلطان رسالة مليئة بالفخر بالقيم الأمريكية والتعبير عن تقديرها. عظيم. أنا أعتقد أن القيم الأمريكية والغربية فعلا عظيمة وتستحق التقدير. لكن المفارقة أن جماعة محمد سلطان لا تعترف بهذا، بل تبني دعايتها على أن القيم الغربية قيم منحلة وأنهم كجماعة قادمون لتخليص العالم من عفنها.



وبالتالي فأمامنا احتمالان لا ثالث لهما، مهما حاولت اللجان الإلكترونية للإخوان وذيولهم تشتيتنا إلى مواضيع جانبية.


الاحتمال الأول: أن محمد سلطان أقر فعلا أن القيم الأمريكية أفضل من قيم جماعته. لأن القيم الأمريكية ترفض التعذيب وجماعة محمد سلطان لا ترفضه. جماعة محمد سلطان عذبت الناس في اعتصام الاتحادية، وفي غيرها.


قيم أمريكا - كما قال عنها محمد سلطان في الفيديو - تدعو إلى الحرية والمساواة بين الجميع. قيم جماعة محمد سلطان تعاقب الناس على حريتهم في اختيار عقيدتهم، على حريتهم في نقد أفكار ورثوها حول عقيدتهم. بل وحتى في اختيار نمط السلوك ولو أذعنوا لها في اختيار عقيدتهم. قيم جماعة محمد سلطان لا تعترف بالمساواة أبدا، فالمسلم عندها أفضل من غيره. والرجل عندها أفضل من المرأة. ولا يقتصر هذا على الاعتبار المعنوي، بل ينعكس في القوانين وفي التعامل الإنساني اليومي.


الاحتمال الثاني: أن يكون محمد سلطان قد تفوه بهذا تقية، من باب الكلام الذي ليس عليه جمرك.


هذا الاحتمال تكذبه سجدة محمد سلطان على التراب الأمريكي، وتقبيله للأرض الأمريكية. لكنه لو صح فهو أسوأ من الأول. إذ يعني أن محمد سلطان يستخدم معرفته بالقيم الغربية لنفسه، لفائدته الشخصية. أما بقية المسلمين فيستحقون فعلا قيم أبيه، صلاح سلطان. وهي القيم التي تميز بين المسلم وغيره كما أسلفت. وهي القيم التي عبر عنها في خطبه في رابعة العدوية وفي برامج تليفزيونية لا تنتهي. والأهم أنها القيم التي تتبناها جماعة الإخوان.


هذا الاحتمال يعني أن جماعة الإخوان تكذب عامدة متعمدة. علينا وعلى العالم. وتستغل الإنسانية لترويج قيم التمييز، والحرية لترويج قيم القمع. تستغل طيبة الآخرين وسمو قيمهم لنشر قيم لا يرضاها محمد سلطان لنفسه، ولا يرضاها قادة الجماعة لأبنائهم.


ستقولين لي ولكنه قال هذا تحت تأثير الكفر بمجتمعنا الذي حبسه.


أقول لك طبعا. هذا بيت القصيد. تعالي اختبري القيم التي يدعو إليها محمد سلطان من خلال جماعته. هل تختلف كثيرا عن قيم مجتمعنا الذي حبسه؟ إن تعذيب جماعة الإخوان للمعتصمين يوم اعتصام الاتحادية، وتعذيب الأمن لأفراد الإخوان، كليهما، ليخرجان من مشكاة واحدة.


وهنا، بالصدفة البحت، كانت سجدة محمد سلطان على التراب الأمريكي متزامنة مع "نداء الكنانة" الذي يؤصل دينيا للعنف منهجا مشروعا. فكأنما الجماعة المزدوجة انشطرت. من كان في قبضة الأمن تحدث عن القيم الأمريكية، ومن كان في الخارج تحدث عن القيم الجهادية. التي تبيح ليس فقط تعذيب آخرين، بل قتلهم تفجيرا. والتي لا تتحدث فقط عن مواجهة قوات تحمل السلاح، بل عن اغتيال رجال أعمال وإعلاميين. هل من متدبرين؟


جماعة الإخوان جماعة تعكس أسوأ ما فينا من سلبيات. ازدواجيتنا. تكذيبنا لعقولنا وأعيننا ونحن نرى المجتمعات السعيدة هناك، لكننا نتغنى بقيم هنا. ونرى المجتمعات التعيسة هنا، ونسب قيم هناك. لمجرد أنه يجب ويلزم ويتحتم علينا أن نعتقد في ذلك.


أمريكا .. ماما لمحمد سلطان ومرات أب لصلاح



ازدواجية الجماعة هذه التي تجعلنا دائما مرتابين في التعامل مع أفرادها، وتجعل من يثقون فيها يعودون ليضربوا أنفسهم "ستين جزمة" على هذه الثقة. فلربما يصير جهادي اليوم، إن صار في قبضة الأمن، داعية إلى احترام حقوق الإنسان (ونشطاء الشلل الفكري يسمونه سجين رأي). وربما يصير سجين اليوم، المباهي بقيم الحرية والمساوة والداعي أوباما إلى إعلائها، جهاديا غدا. جماعة بلا نسق فكري يمكنها الدفاع عنه باتساق. لا تعرفين أي الوجوه وجههم الحقيقي. أي القيم قيمهم الحقيقية؟ قيمهم وهم في السلطة؟ قيمهم وهم في المعارضة؟ قيمهم وهم في الحبس؟ قيمهم وهم طرداء؟ قيم مكة؟ قيم المدينة؟ قيم الفتوحات؟ قيم الإمبراطورية؟


بالله عليك، لا تقولي إن الإنسان يمكن أن يكون أحوالا مختلفة. لأن هذا نقاش آخر. أنا أحكي عن القيم العليا. القيم التي لو أعطاها التاريخ قلما لدونتها في كتابه، في فصل الألفية الثالثة سنة 2015. تلك القيم التي أتحدث عنها. ما هي تلك القيم. قيم منصة رابعة، أم قيم مطار أمريكا؟ لأيهما تسجد جماعة الإخوان حقيقة وتقترب؟