التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 08:30 ص , بتوقيت القاهرة

أخطاء المسيحيين التي أبعدتهم عن المواطنة (1)

استهلال
في المقال السابق ماذا يريد المسيحيون المصريون من مصر.. عرضتُ بصورة مقتضبة ومختصرة الجو العام الذي يعيش فيه المسيحيون المصريون، حتى غير المتعرضين لأي نوع من أنواع الاضطهاد الطائفي منهم، وهم الأغلبية العظمى، وتوقفتُ عند سؤال وهو.. ما هي الأخطاء التي يرتكبها المسيحيون وأبعدتهم عن المواطنة؟


الحقيقة أنها ثلاثة أخطاء أساسية أبعدتنا عن المواطنة..
المواقف السياسية
الإعلام ونجومه
التقوقع والخوف


في ثلاثة مشاهد وثلاثة مقاطع كتابية سأحاول جاهدا تلخيص سبب بعدنا عن المواطنة بأيدينا.


أولا: المواقف السياسية
ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْماً مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: « يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ نُعْطِي أَمْ لاَ نُعْطِي؟». فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ ايتُونِي بِدِينَارٍ لأَنْظُرَهُ ». فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ : « لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ ؟» فَقَالُوا لَهُ: « لِقَيْصَرَ ». فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ. (مرقس 12: 13 – 17)


النص الكتابي واضح وصريح.. ذهبوا للسيد المسيح حتى يصطادوه بكلمة عن طريق مزج الدين بالسياسة.. المُتبحر في تاريخ هذه الفترة يعلم أن الفريسيين والهيرودسيين كانت بينهم خلافات عظيمة، ورغم ذلك اتحدوا واستغلوا السياسة ليوقعوه؛ لأنهم شعروا بأنه بدأ في سحب البساط سياسيًا وشعبيًا من تحتهم.


المسيح كان واضحًا وصريحًا في رسالته للمسيحيين.. بجملة واحدة وضع أساس عملية المواطنة. اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. لا أريد أن أكون ملكًا في هذا العالم.. ببساطة كده تم وضع قواعد علمانية الدين للديان والوطن للإنسان، حتى لا نكون سلبيين سياسيًا ولا نضع الدين والسياسة في بوتقة واحدة.. وفي نفس الوقت نعطي ما لله لله.. حديث مر عليه ألفي عام.. فما الذي حدث؟


مشهد (1) 


كلمة راع الكنيسة في قداسات ما قبل الانتخابات:
"يا ولادي إحنا هننتخب الحزب الوطني.. ده عشان مصلحة الكنيسة وشعبها".. قالها أغلب، وأكرر أغلب ومسؤول عن هذه الجملة مسؤولية كاملة، رعاة الكنائس.


المسيحيون البسطاء يرون رجل الدين العادي مصدرًا رائعًا للإرشاد والعلم والمعرفة بصرف النظر عن مكانتهم الثقافية ومعرفتهم السياسية.. أنا مسيحيّ أرثوذكسي، أؤمن بالمسيحية وأسرار الكنيسة ومنها الكهنوت، ولكني أيضا أؤمن أن الكهنوت هدفه ديني فقط.. تكلم في الدين كما تريد "ارشدني.. وبخني.. علّمني.. لن أعترض"، وبيني وبينك الكتاب المقدس الواضع لأساس الدين.. راعي الكنيسة ليس راعيا لمواقف مرتادي الكنيسة السياسية.. إذا كان السيد المسيح نفسه قد أعطانا الحرية السياسية الكاملة هل تسلبونها منا أنتم؟


لا لن أقبلها أبدا.. العصر الأسود لأوروبا المسيحية كان عندما أصبح رجال الدين رجال سياسة ورجال علم.. ناقشت أحد رجال الدين المثقفين الذين أحبهم  في هذا الأمر يوما ما وكان رده: "إنت راجل مثقف ومتعلم ومش هيأثر عليك زيت ولا سكر ولا زن ع الودان.. عارف عدد الأميين المسيحيين في القرى أد إيه؟ عارف إنهم لا بيقروا ولا بيدرسوا ولا بيعرفوا حاجة إلا من جوه الكنيسة.. نسيبهم كده؟ ما نرشدهمش؟ هيشتروهم وهتلاقي الدنيا باظت".


قلت له: عودة للمربع صفر النظام سبب الجهل.. الجهل يسبب الفقر.. الفقر يسبب تدخل الكنيسة للحفاظ على مكاسب.. تدخل الكنيسة يسبب توطيدا للنظام المُسبب للجهل.. وطبعا  يسبب بعدا عن المواطنة.. الجهل يزيد فيزيد التطرف.. وتتدخل الكنيسة وهكذا.


قال لي: وما هو الحل؟


قلت له: الحل في التعليم.. لتنطلق قوافل تعليمية تُعلم الناس حقوقهم وواجباتهم وقبلها الحد الأدنى من الثقافة.. قوافل تعليمية خدمية ليس فقط رعوية واجتماعية ودينية.. وهي كثيرة وبالمناسبة غير تبشيرية وتسعى لخدمة الفقراء من المسيحيين فقط.


قال: التعليم مسؤولية الدولة.. وهي لا تعلّم.. الكنيسة مؤسسة دينية ولكننا نحاول.


قلت له: سعيد وبشدة من تعريفك للكنيسة بأنها مؤسسة دينية.. ومقدر للظروف الدافعة للإرشاد ولكن هل تعلم أن حتى بعض فئات المسيحيين المتعلمين يتبعون كلامكم بلا تفكير.. الحقيقة أني سمعت إرشادات الرعاة في كنائس راقية داخل المدن وليس داخل القرى.. لا تطالبوا بالمواطنة وأنتم لا تؤمنون بها.


يومها انتهى نقاشنا على لا شيء ومشيت.


بعدها قامت الثورة الأولى.. وخرج الشباب من عباءة الكنيسة ومظاهرات حوش الكنيسة، والعجيب أنني كنت رافضًا لها، بل ومشيت في مظاهرة تأييد لمبارك، بعدها حدثت أحداث ماسبيرو، والغريب أيضًا أنني كنت متعاطفًا مع رواية المجلس العسكري، بعدها حدثت حادثة الكاتدرائية الشهيرة.. هتافات ضد المجلس العسكري واضحة وصريحة من داخل الكاتدرائية.. بعد هذه الحادثة بدأ التغيير يظهر على استحياء.. قال رعاة الكنائس يا جماعة إحنا لازم نشارك مش مهم هننتخب مين.. بس لازم نشارك.


وبدأت أغلبية الكنائس تقوم بعمل دروس سياسية تثقيفية ورغم هذا اتجه رعاة بعض الكنائس لتأييد الكتلة المصرية.. وهنا بدأ تأثير الفيسبوك يظهر.. شجب واستنكار من أغلبية شباب جيل الثورة وهجوم وصل للسباب.. شيوخ الكنيسة بدأوا في الإحساس بالخطر.. وتدارك أغلبهم الخطأ.. عدا نجوم الإعلام.


نجوم الإعلام ؟ للأسف نعم.. وهذا حديث آخر 


لمتابعة الكاتب