التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 03:45 م , بتوقيت القاهرة

عدالة السماء

أتفهم جيدًا رفضك لعقوبة الإعدام إذا كانت ظلمًا بحق شخص فخيرٌ من إعطاء البراءة لظالم وتركه لعدالة السماء على أن تحكم على برئ بالإعدام ، لكن لا أتفهم رفضك للإعدام في المطلق و لا أتفهم أيضًا تحريضك على الإعدام و توجيه الرأي العام لذلك والضرب بيدٍ من حديد لتحقيق العدل والأمن فهو أمر منقوص.


أقرت منظمة العفو الدولية أنه في مختلف أنحاء العالم يقتل أناس بشكل يومي على أيدي الدول عقاباً لهم على طائفة واسعة جدًا من الجرائم و في بعض البلدان تكون عقوبة الإعدام عقابًا على ممارسة الجنس أو الأعمال الإرهابية و الخيانة.


بعض البلدان لا تعدم إلا البالغين أو العاقلين فيما لا تمانع بلدان أخرى من إعدام الأطفال و المرضى العقليين ويسجن الناس سنوات طوال تحت طائلة الإعدام قبل أن يتم تنفيذ حكم الإعدام بهم ولا يعرفون أحيانًا بمصيرهم المحتوم إلا قبل دقائق من موعد التنفيذ و يعيشون ألم التأجيل تلو التأجيل .


دأبت منظمة العفو الدولية من أجل وقف عمليات الإعدام منذ 1961 وذلك عندما قامت تسعة دول فقط بإلغاء تطبيق عقوبة الإعدام أما اليوم فقد ارتفع هذا العدد إلى 140 دولة أي ما يقرب من ثلثي بلدان العالم أجمع.


اعتمد في عام 1984 المجلس الاقتصادي الاجتماعي لمكتبة حقوق الإنسان ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام:


1- في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم ويكون مفهوم نطاقها.
2- لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص القانون وقت ارتكابها على عقوبة الموت فيها وهل ينص القانون على فرض عقوبة أخف ليستفاد المجرم من ذلك .
3- لا يحكم بالموت على الأشخاص دون سن الثامنة عشر وقت ارتكاب الجريمة، ولا ينفذ حكم الإعدام بالحوامل أو الأمهات حديثي الولادة ولا الأشخاص فاقدي قواهم العقلية.
4- لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائماً على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالاً لأي تفسير بديل للواقع.
5- لا يجوزتنفيذ عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة.
6- لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في الاستئناف لدى محكمة أعلى واتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجباريًا .
7- لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو أو تخفيف الحكم .
8- لا تنفذ عقوبة الإعدام إلى أن يتم الفصل في إجراءات الاستئناف أو أي اجراءات تتصل بالعفو أو تخفيف الحكم .
9- حين تحدث عقوبة الإعدام تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى الممكن من المعاناة .


عقوبة الإعدام من المنظور الإسلامي :
الإسلام يسعى دائمًا لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل ما استطاع، وذلك من خلال الشروط المشددة التي تمنع أي عقوبة مهما دنت تحقيقاً للعدالة الإلهية النسبية في الدنيا و المطلقة في الآخرة ، و لأنها نسبية في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى قد أكد على درء الحدود بالشبهات، و هذا ما قاله الرسول الكريم "ادرؤوا الحدود بالشبهات" عليه أفضل الصلاة و السلام، والشبهة تعني أن أي جناية ينزل مستوى التأكد منها عن 100% إذا جاز التعبير فيجب أن يسعى لدرئها، هذا هو المقصود الشرعي الذي للأسف قد لا يُفهم أحياناً حتى عند بعض المشرعين الإسلاميين الذين يوسعون دائرة ضبط الأحكام الشرعية في مثل هذه المسائل، فإذا دخلت الشبهة توجب إيقاف العقوبة المحددة تجاه هذه الجناية والنزول إلى عقوبات أدنى وهذه يقدرها القضاء العادل عادةً، فالإسلام لم يتنافى أبداً مع منظمات العفو الدولية وحقوق الإنسان بل سبق الجميع إلى ذلك.


العدالة الإلهية لا يتم تحقيقها في الدنيا وإنما تتحقق في الآخرة، فكان لزامًا على القضاة أن يبتعدوا تمامًا عن أي شبهة فيها ظلم، الشرع الحكيم لا يقبل ردود الفعل العاطفية فيدخل في مأزق فالهروب من العقوبة في الدنيا لا يعني الهروب منها في الآخرة، نحن نتكلم عن شرع من عند الله نظمه نسبيًا لنا في الدنيا وحققه مطلق العدالة في الآخرة.


في القتل العمد 100% أعطى الله للأهل فرصة أن يعفوا ويصفحوا عن هذا القاتل بل أن القرآن الكريم اعتبر أن الصفح والعفو هو الأصل في حياة المسلم ومجتمعه.


لا بد أن تتحقق العدالة دون أن يكون هناك ضغط اجتماعي أو سياسي أو أمني، وحتى العادات والتقاليد لا يجوز أن تكون ضاغطة، وإنما من باب الإصلاح الحر، أما إذا أخذت في سياق الضغط هذه الأمور أو حتى الحياء فسماه الإسلام سيفا؛ لأنه قاطع أي يقطع ويبتر الحق ويضيعه .


حتى عقوبة قتل الزاني المحصن مشروطة بالولوج الذي يشهده أربعة من الشهود وهو مستحيل، فالمبدأ ليس من أجل إثبات التهمة بل من أجل درء العقوبة و هنا أصل العدالة في الإسلام و تطبيقها.


أما حد الحرابة وهو قطع الطريق بالقتل من أجل السلب والنهب والاعتداء على حقوق الآخرين، شدد الإسلام العقوبة فيها لما يترتب عليها من إزهاق للروح وضياع أمن واستقرار الناس وانتشار الخوف والرهبة ومنع الناس من ممارسة حياتهم وأعمالهم، ولكن وضع ضوابط لها إذا تحققت في جريمة منظمة للفساد في الأرض وهذا نوع من أنواع الإرهاب الذي حرمه الله مطلقاً وشدد عقوبته الرادعة.


ما نص عليه القرآن الكريم وما جاء به إجماع الفقهاء من أحكام عقوبة الإعدام في الدين متوازنة جدًا، وفيها اعجاز كبير وعدالة دقيقة، فهي من ناحية تأمر بها ومن ناحية تمنع وقوعها في آن واحد في الضوابط والشروط ،فالقصد إذا ليس الردع فقط بل أيضاً تحقيق العدالة بكل أبعادها النفسية والاجتماعية و الأخلاقية والتربوية، فكما جعل الله سبحانه وتعالى الحق قائمًا بعقوبة الإعدام، جعل الوصول إلى تحقيقه صعبًا و نادر الوقوع ليحرك في النفس البشرية نوازع غير الردع.


إلى كل مؤيدي حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية اعلموا أنه في بعض الدول الأوربية والدول المتقدمة قد بلغت الحالات التي يعاقب فيها بالإعدام مئة حالة وفي بعض الدول العربية مئات الحالات، أما الشريعة الإسلامية فقد تحدثت عن الإعدام في ثلاث جرائم فقط قتل النفس المتعمد وزنا المحصن والحرابة وطوقها بالشروط حتى كادت تنهيها أو شبه ذلك.


حديثك عن وجوب الإعدام ليس بالأمر الهين وحديثك عن انتفاء الإعدام في العموم ليس بالأمر الصواب أيضًا، لكن عدالة الدنيا النسبية الآن في يد القضاء الذي يجب أن يكون منزها عن كل الشبهات دون ضغط من أحد لتحقيق العدالة و هذا ما نتمناه و ندعوا له و تبقى العدالة الالهية المطلقة في الآخرة .

المصدر : المرصد العربي لمناهضة عقوبة الإعدام.