التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 08:19 ص , بتوقيت القاهرة

"زنوبيا".. ملكة ملوك الشرق أسيرة لـ"داعش"

"زنوبيا" أعظم من حكمت تدمر، المملكة الأثرية التي تبعد عن العاصمة السورية 215 كيلومترا، تلك المملكة التي شملت سوريا بالكامل، وامتدت من شواطئ البسفور في تركيا، حتى نهر النيل في مصر، ويهدد وجود مملكتها بعد مئات الأعوام، تنظيم "داعش".

حكمت "زنوبيا" أو ما يعرف في اللغة العربية بـ"الزباء"، تدمر "عروسة الصحراء"، وهي في الرابعة عشر من عمرها، وقد ولدت في تدمر وتعلمت في الاسكندرية بمصر، فحاولت التشبه بأخلاق كليوباترا التي حكمت مصر، وبطموحها.

وتميزت الملكة زنوبيا برجاحة وحكمة عقلها ودقة سياستها، وأجادت خمس لغات، بعدما درست تاريخ الإغريق والرومان، وكانت تتكلم الأرمانية اللغة السورية القديمة، واللاتينية (الرومانية)، والإغريقية، والقبطية، فاعتبروها أنبل نساء الشرق وأجملهن.

وتواجه عروسة الصحراء الآن تهديدا، بعد سيطرة تنظيم "داعش" عليها بالكامل، في أعقاب مواجهات منذ 13 مايو الماضي، انسحب بعدها الجيش السوري من المدينة، وبعد مرور مئات الأعوام على هذه الآثار، ينتظر الجميع من "داعش" بث فيديو جديد لعملياته التخريبية للآثار، مثلما حدث في متحف الموصل في فبراير/شباط الماضي.

المملكة التي تميزت بالتجارة والفخامة في العمارة والرخاء الاقتصادي، وخلفت أكبر مدينة أثرية في الشرق الأوسط، وحكمتها عام 270 ميلاديا، وتحدت أقوى الإمبراطوريات في ذلك الوقت، وهي روما.

زنوبيا ملكة على تدمر

وتربت زانوبيا على مجالس القوم ومجلس الشيوخ في تدمر، ونشأت بالقرب من أزينة الثاني، سليل العائلة الحاكمة في تدمر، الذي لم يحكم سوى عامين، بعد أن هاجمه مجموعة من الثائرون عقب عودته من إحدى الحروب في اللاذقية إلى حمص، وقضوا عليه وعلى حرسه وابنه "عبد اللات".

وكان على وهب اللات ابن أذينة أن يسترد عرش أبيه، بدعم أمه زانوبيا، التي أصبحت وصية على الملك القاصر، وتولت الحكم بصفتها ملكة تدمر لتقود المملكة، وتلقب بـ"ملكة ملوك الشرق"، وذلك عام 267 ميلادية.

وعندما اعتلت العرش كانت لا تخفي رغبتها أن تصبح يوما إمبراطورة على روما ذاتها، وكانت تعد أولادها لاعتلاء العرش، بتعليمهم لغة روما وآدابها وتاريخها، واتخذت مظهر القياصرة، فكانت تركب مركبة ملكية تضاهي مركبة القياصرة، رصعتها بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.

وكانت روما اعترفت بوهب اللات ملكا وبزنوبيا وصية عليه، فقامت الأخيرة بتوطيد حكمها في تدمر والبادية، بإقامة الثغور مثل قلعتي حلبية وزلبية، وما زالت آثار الثغرين قائمة حتى اليوم، على ضفتي الفرات في محافظة دير الزور، التي تبعد عن تدمر نحو 200 كم، وتمت لها السيادة على آسيا الصغرى ومصر، وتظهر المملكة في الخريطة باللون الأصفر.

تدمر في عهد الرخاء

توسعت مملكتها حتى شملت باقي مناطق سوريا، وامتدت من شواطئ البسفور حتى النيل، وأطلقت عليها "الإمبراطورية الشرقية مملكة تدمر"، وأصبحت أهم الممالك وأقواها في الشرق على الإطلاق، ما دعى الإمبراطور الروماني أورليانوس للتفاوض مع الملكة زانوبيا لتأمين حدود إمبراطوريته، ولوقف زحف جيوش تدمر مقابل الاعتراف بألقاب ابنها وامتيازاته الملكية.

وكانت زنوبيا تشرف بنفسها على عمليات التوسع والإنشاء، وتنتقل على ظهر فرسها تلبس لباس الرجال، وعلى الرغم من حجم إنجازاتها الحضارية ومن تحركاتها المجهدة، فإنها لم تنس يوما حلمها بالتوسع في آسيا ومصر وروما، فلقد وصلت جيوشها إلى بيزنطة في العصر الروماني، وقتلت هيراكليون قائد القصر، ثم فتحت الإسكندرية.

وأصدرت الملكة زنوبيا العملة الخاصة بتدمر، وصكت النقود في إنطاكية وطبعت عليها صورة وهب اللات على وجه، وعلى الوجه الثاني صورة الإمبراطور أورليانوس، وأزالت من النقود صورة الإمبراطور مميزة النقود السورية التدمرية، عن نقود روما، ووسعت مملكتها وضمت الكثير من البلاد، لكن الإمبراطور الروماني صمم على التصدي لـ"المملكة التدمرية القوية"، التي سيطرت على العديد من المناطق.

روما تقضي على أحلامها

وبعد اعتلاء الإمبراطور "أورليان" العرش في روما سنة 270، الذي كان معروفا عنه قسوته وبطشه، فاعترف لها بالنفوذ على الإسكندرية، ثم لم يلبث أن نقض اعترافه واسترجع نفوذه على الإسكندرية بعد عام واحد، في وقت كانت فيه زانوبيا مسلوبة القوى حزنا على وفاة ابنها وهب اللات.

وكان "أورليان" يتابع انتصاراته في آسيا، حتى هدد تدمر، فكان عليه أن يقضي على تلك المرأة المناوئة لعرشه في روما، وقبل أن يغادر أنطاكية، كانت جيوش زانوبيا تجابه زحفه إلى تدمر.

لقد كانت الحرب سجالا، لكن خصومها القابعين في حمص خذلوا جيوشها، فعادت إلى تدمر، لكي يلاحقها "أورليان" ويحاصرها، فحاولت الاستنجاد بالفرس، وذهبت متخفية لملاقاة ملك الفرس "هرمز".

وقبل أن تعبر نهر الفرات، كانت جيوش الرومان ترصدها، فقبضوا عليها وأعادوها إلى خيمة "أورليان"، الذي عاد بها إلى روما أسيرة مكبلة بأصفاد من الذهب، وتوفيت زنوبيا في روما سنة 274 في ظروف غامضة.

هل تنتهي قصة زنوبيا بعد "داعش"؟

جسدت الممثلة السورية "رغدة"، شخصية الملكة زانوبيا، في مسلسل "العبابيد"، الذي انتجه التليفزيون السوري، واستعرض فيه مواضيع عديدة في ظل حكم ملكة الملكات زنوبيا، ويتعرض للطبقات الاجتماعية، ويعرض بعض من العادات كان سائدا عن المرأة التي تنتمي إلى عائلة الأشراف والتقاليد والأعراف السائدة في ذلك الزمان.

ويستمر تهديد "داعش" داخل سوريا بعد إعلان سيطرته على 40% من أراضيها، فيما يتمركز الرئيس بشار الأسد وجيشه وموالوه وميلشياته في العاصمة دمشق، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من مقاتلي المعارضة و"داعش"، بحسب محللين سياسيين وعسكريين، بعد استهدافها هي الأخرى بقذائف وتفجيرات متفرقة.