التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 05:26 م , بتوقيت القاهرة

بروفايل| يسري فودة.. إعلامي على "طريق الأذى"

"من جسدي النحيل أشُد جسرا لكل العابرين إلى الحقيقة"، هكذا رأى نفسه في مواجهة معارضيه ومن صوبوا نحوه سهام الاتهامات، حين ظهر على الشاشات حاسما أقواله، ومتيقنا منها، فأصبح اسمه كفيلا أن يعبر  عن شخص ظل يحلق  بمفرده بعيدا منذ بداية رحلته، التي حملت في طياتها الكثير والكثير .. هو يسري فودة، الذي يحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاده.

"من ولد صحفيا يموت صحفيا".. وضع "فودة" تلك الجملة أمام عينيه منذ 30 عاما، حين ترك بلدته في محافظة الغربية، قاصدا كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ليحصل بعد تخرجه منها على درجة الماجيستير في الصحافة التليفزيونية من الجامعة الأمريكية، ويستأنف عمله بهيئة الإذاعة البريطانية، كمراسل عربي، وهو ما وصفه في إحدى مقالاته بـ"اللحظة الفارقة على طريق الصحافة التليفزيونية العربية"، إلى أن وصلت قدماه لقناة "الجزيرة"، مقدما على شاشتها برنامج "سري للغاية" لمدة 10 سنوات.

طرق فودة أبواب "أون تي في" بـ"آخر كلام"، الذي انتهت آخر حلقاته منذ 7 أشهر، غاب حينها عن الشاشة، تاركا خلفه آراءً حملتها حلقاته، لازالت تتداولها الألسنة، وتتذكرها سطور الكتاب. 

خطوات هادئة اتبعها فودة في برنامجه، حتى مساء يوم "جمعة الغضب"، عندما خرج علينا ليأخذ خطا مغايرا عن الجميع، ويقول: "إلى غير رجعة، حاجز الخوف انكسر، ونحن لا نزال في المنتصف، هذه أيام مجيدة من أيام مصر والعرب، هذه أيام الغضب، طيّب الله أوقاتكم، إذا سقط النظام في مصر، فاقرأ الفاتحة على بقية الأنظمة العربية".

تبدل حينها مسار برنامج يسري فودة، ليزيد متابعيه أمام الشاشات، في انتظار مقدماته النارية في كل حلقة، وبخاصة بعد حلقته مع رئيس الوزراء، أحمد شفيق، مع الكاتب والروائي، علاء الأسواني، والتي تردد وقتها إنها ربما كانت هي السبب لمغادرته منصبه.

"هناك مبدأ صغير في صناعتنا، يقول: إن كنت تخشى من الكاميرا فلا بد أن لديك ما تخشاه".. تحت هذا المبدأ الذي آمن به بقوة، كتب فودة، مقالا في "المصري اليوم"، بعنوان: "قبل أن يكون حقا.. آخر كلام"، إبان أحداث ماسبيرو، في وقت حكم المجلس العسكري، كشف خلاله عن اتصال هاتفي له مع اللواء إسماعيل عتمان، عضو المجلس وقتها، والذي قال له بحد زعمه: "إحنا زعّلناك في حاجة يا راجل؟".

وعلق يسري فودة على ما دار بالمكالمة، قائلا: "كان من الواضح أن الحديث وصل بنا بعد جدال طويل إلى طريق مسدود، فهو يحيي تغطية تليفزيون الدولة بلا تحفظ، وأنا انتقدها بلا تحفظ".

ولم تهدأ النيران في أحاديث يسري فودة، ليجددها منتقدا حكم المجلس العسكري مرة أخرى، لكن هذه المرة عن واقعة "ست البنات"، قائلا: "أوسعونا حديثا عن كرامة الإنسان المصري وعن عرض المرأة المصرية، لكن هذه المرأة حين عراها هؤلاء سحلا وضربا، كانت هي قد التحفت علم مصر وطهر الإنسانية، وكانوا هم قد تعروا أمامنا".

اتجهت آراء فودة إلى تأييد المرشح لرئاسة الجمهورية وقتها، محمد مرسي، ضد منافسه رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، لكن بعد مرور نحو 6 أشهر من حكم مرسي، عقب أحداث قصر الاتحادية، خرج في مساءٍ جديد، معتذرا، وقال: "أول حجرٍ نحو مستقبل قريب أكثر ظلمةً يأتي من اتجاه من يردد أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ومن يده، فلا أنتم سدنة الدين ولا شعب مصر كفرة، ولك يا سيادة الرئيس فأعلم: لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين، فوعدتَ فأخلفتَ فقسّمتَ فخرجتَ من بابٍ خلفي، فتركتَ أمةً في مهب الريح فحقّ عليّ أنا أن أعتذر، اخدعني مرةً عارٌ عليك، واخدعني مرتين عارٌ عليّ،  واليوم أعلن استقالتي من حبك يا سيادة الرئيس، فبدون ذلك لن أستطيع أن أحتفظ باحترامي لنفسي".

تحذيرات جديدة أطلقها صراحة في وجه رئيس مصر المؤقت لمصر، المستشار عدلي منصور، قائلا: "إن حاول أي رئيس أن يلعب في عداد عمره سينضم فورا إلى المخلوع والمعزول"، لتمر الشهور، ويطلب إجابة حاسمة لسؤال رأى أنه لا بد من الإجابة عليه: "لقد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل، وحانت لحظة لمن يتولى زمام مصر أن يجيب بوضح أمام شعب مصر: هل 30 يونيو موجة من موجات 25 يناير أم ثورة مضادة؟".

توقف الحديث لفترة ليعود من جديد للساحة، في نوفمبر 2013، برأي آخر يقول: "مصر إذٍ تفور وتمور وتثور، وهي تعلم ألا جديد يثبت على قدمين دون تسوية لقديم، اليأس خيانةٌ، نعزي بها أنفسنا ونتخذ من حروفها وشما وندفعها ضريبة عن طيب خاطر، من أجل هؤلاء الذين ماتوا من كل فريق، ومن أجل من لا يزال منهم ينتظر، من أجل شركاء الخامس والعشرين من يناير، ومن أجل الذين ثاروا لهوية مصر وحدود الوطن، من أجل من يشعرون بالإقصاء دون ذنب تحت طائلة القانون والعرف و الأخلاق، ومن أجل من يرفعون رؤوسهم وسط تجاذبات الألم في شموخ، من أجل هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء نعود إليكم بعد غيبة بعينٍ على وحدة الوطن وسلامته وعينٍ على كرامة الإنسان وحريته.. نعود إليكم و الله المستعان".

حملت تلك العودة لفودة العديد من الانتقادات والهجوم، سواء على الشاشات أو الصحف، فقال الإعلامي تامر أمين، تعليقا على حديثه، بإن الوضع الإعلامي في مصر "رخيص": "لما هو رخيص، أنت اشتغلت إعلامي ليه أيام مرسي والسيسي؟"، كما هاجمه الكاتب الصحفي، مصطفى بكري، قائلا: "أنتم شاركتم في المؤامرة، وكنتم طرفا في المؤامرة، ومفروض يتحقق معاكم، وكنتم من اللي بيولعوا البلد"، وكتب عنه الكاتب محمود الكردوسي في صحيفة الوطن: "لست متأكدا مما إذا كان يسري فودة عميلا بحكم جينات كامنة في طبيعته، أم لأن مهنة الإعلام يمكن أن تكون بابا للعمالة لدى ضعاف النفوس".

ويمر عام واحد، ليحتجب يسري فودة عن الشاشات تماما، ويكون لحديثه الذي طال الجميع دون خوف، نهاية، قدرها هو، وانسحب بعيدا، ملتزما الصمت تجاه هذا الهجوم، ليتفرغ إلى إصدار كتابه "في طريق الأذى"، الذي يحكي عن لقائه بالعقول المدبرة لهجمات 11 سبتمبر، وعبوره من سوريا إلى العراق مع مهربين عقب الغزو الأمريكي، فخرج يحتفظ بصورة تحمل معالم واضحة، وهي أن يسري فودة لم يتوار يوما وراء شخص أو شيء، ليقود معركته التي لم تنته بعد، كما تشير صورته المرسومة في شارع محمد محمود، أيضا، والمعرفة إياه بـ"صوت الثورة الفصيح".