التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 11:32 م , بتوقيت القاهرة

الـ"كونترا موندوم".. أثناسيوس الرسولي

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم السبت، بذكرى رحيل بطريركها الـ20 البابا "أثناسيوس" الذي لقبته بـ"الرسولي"، ويحمل أثناسيوس نصيبًا كبيرًا من اسمه الذي يعني "الخالد"، إذ يحظى باحترام كافة الطوائف المسيحية حول العالم الذين لقبوه بأثناسيوس "الكبير" أو "العظيم"، ليس فقط لتحمله النفي والمطاردات ولكن لفصاحته وقدرته على كتابة العديد من المؤلفات والرسائل التي مازالت تستخدم إلى اليوم كأهم مراجع لـ"اللاهوت المسيحي" في العالم.

نبوغ مبكر

ولد أثناسيوس في حوالي عام 296 م، ويذكر المؤرخ الشهير سوزومين أنه تربى في البطريركية بعدما شاهده البابا ألكسندروس (البابا القبطي الـ19) وهو طفل حيث كان يلعب مع الأطفال ويمثل لهم طقس المعمودية، ولاحظ البابا دقة أثناسيوس في تقليده للطقس وهو في ذلك السن، فاهتم به وجعله شماسه الخاص فيما بعد.

ظهرت مواهب أثناسيوس عندما استطاع وهو لم يجتاز الـ20 عامًا أن يؤلف كتاب "ضد الوثنيين" وكتاب "تجسد الكلمة" الذي مازال يعتبر حتى الآن المرجع الأول لجميع اللاهوتيين في الحديث عن التجسد.

وكان الشاب أثناسيوس محبًا للفقراء ودائم الخدمة لهم ويتفقد المسجونين، كما كان يحاول تشجيع المسيحيين قبل أن ينتهي عصر الاستشهاد وصدور مرسوم ميلانو للتسامح الديني، فتمتع بشعبية كبيرة وسط الأقباط.

مجمع نيقية والبطريركية

عقد البابا ألكسندروس مجمعًا في الإسكندرية وقام أساقفة الكنيسة القبطية بحرمان آريوس، وذلك بعد أن نادى بأن المسيح "إله مخلوق" و"ليس من نفس جوهر الآب"، وكان القس آريوس خطيبًا مفوهًا وشاعر موهوب، فاستطاع من خلال ترانيمه وشخصيته الكاريزمية أن يجذب عدد من الشعب.

تظلم آريوس ضد قرار حرمانه في الإسكندرية، فعُقد مجمعًا مسكونيا (دوليًا) بمدينة نيقية (حاليًا بتركيا)، حضره 318 أسقفًا حول العالم، وكان المجمع برئاسة بابا الإسكندرية ألكسندروس الذي اصطحب الشماس أثناسيوس الذي لم يبلغ 25 عامًا، إلا أنه استطاع أن يواجه آريوس ويقنع الجميع بمعتقده، فقرر المجمع حرمان أريوس مع 3 أساقفة من مؤيديه، وأصدروا ما يعرف الآن بـ"قانون الإيمان النيقاوي".



وذاع صيت أثناسيوس في العالم كله بعد هذا المجمع، إذ قيل عنه في ذلك الوقت "إذا قابلت جملة لأثناسيوس ولم يكن لديك ورقة فأكتبها على ثوبك"، وبعد رحيل البابا ألكسندروس، حاول آريوس أن يصل للبابوية إلا أن الأساقفة والكهنة والشعب أصروا على انتخاب أثناسيوس بطريركًا في عام 328.

النفي

يقول المؤرخ الكنسي الشهير سقراط "إن فصاحة أثناسيوس في مجمع نيقية، جلبت عليه كل البلايا التى صادفته في حياته"، إذ توالت وشايات بعض الأساقفة الأريوسيين وكان على رأسهم الأسقف يوسابيوس النيقوميدي، الذي استطاع أن يصبح "أب اعتراف" زوجة الإمبراطور.

طورد أثناسيوس من العديد من الأباطرة حوالي 5 مرات، حتى أن فترة بطريركيته التي امتدت لـ45 عامًا، قضى منهم 20 عامًا منفيًا ومطاردًا ومهددًا بالقتل، وفي المرة الخامسة رضخ الإمبراطور لمطالب الشعب والأساقفة فعفى عن أثناسيوس في عام 366 م، وعاش فترة سلام وهدوء حتى توفي في عام 373م عن عمر يناهز الـ77 عامًا.

سمات شخصية أثناسيوس ومواقف من حياته

كان أثناسيوس يتميز بشجاعة في مواجهة الجميع حتى أنه عندما وقفت الإمبراطورية في صف آريوس قيل له "العالم ضدك يا أثناسيوس" فرد بقوله الأشهر "وأنا ضد العالم"، وهو سر تسميته بأثناسيوس "كونترا موندوم" (ضد العالم)، كما يذكر له المؤرخون واقعة شهيرة عن جُرأته، حينما تسلل أثناسيوس متنكرًا أمام الإمبراطور ليوبخه، وعندما وصل إليه وهو راكب على جواده، فجذب سرج الفرس وكشف وجهه قائلا "لي كلمة معك يا قسطنطين!"، فترجل قسطنطين من على جواده ليتسمع له.

وكانت لأثناسيوس عدة ركائز أستند عليها في مواجهة آريوس أولها قدرته الفريدة على استحضار النصوص الإنجيلية والآيات التي تثبت معتقد الكنيسة، وثانيها تأصيله الدائم لمعتده من تقليد الآباء الذين سبقوه حيث كان دائمًا ما يسأل آريوس إن كان أحد من أسلافه الآباء قد نادى بما ينادي به، وثالثها دراسته للفلسفة التي مكنته من شرح المفاهيم اللاهوتية بسهولة.

كما تميزت شخصية أثناسيوس ببعد رهباني ونسكي واضح، وذلك بسبب تأثره بالأنبا أنطونيوس الذي قضى معه فترة في البرية، حتى أن أثناسيوس كان أول من دون سيرة الأنبا أنطونيوس وهو منفيًا في روما، وهو ما كان سببًا لنشر الرهبنة في العالم كله.