التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 06:27 م , بتوقيت القاهرة

صور| "عين كارم".. قرية "يوحنا المعمدان" تتحدى النكبة

القادم إلى قرية عين كارم الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة، يشاهد منازلها التاريخية والأثرية التي ماتزال قائمة إلى يومنا هذا، فهي بخلاف بقية القرى الفلسطينية، لم تهدم منازلها التي يسكنها نحو 400 فلسطيني، وبقيت شامخة على الرغم من مرور 67 عاما على النكبة.


وإن كان ظاهر القرية يخبرك أن سكانها فلسطينيين، حيث المطاعم والمعارض الفنية ومتاجر الأثريات التي تقام في منازل حجرية قديمة، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماما، حيث يستوطنها الإسرائيليون منذ أن هجروا سكانها الأصليين، أما شوارعها فهي مليئة باللافتات التي ترشد إلى كل شيء عدا هويتها الفلسطينية.



وتعد "عين كارم" أهم وأكبر قرى القدس مساحة وأكثرها سكانا، وتبعد عنها 7 كيلومترات، وتقع على الطريق الفاصلة بينها ومدينة رام الله، وهي مجاورة لقرية دير ياسين، فيما تستهوي طبيعتها الجبلية الخضراء زائريها، لكنها تخفي حقيقتها المأساوية منذ احتلالها وتهجير سكانها الأصليين أثناء النكبة.


حجارة تاريخية


"دوت مصر" تواصل مع عدد من سكان عين كارم الأصليين الذين عاصروا نكبة التهجير، ورصد أجواء الغربة التي تكوي قلوبهم بفعل بعدهم عن منازلهم الأصلية، التي يستوطنها الاحتلال الإسرائيلي حتى وقتنا الحالي.


الحاج أبو فايق حمزة، يسكن مدينة نابلس بالضفة الغربية منذ أن هجِّر من قريته الأصلية عين كارم، التي زارها مرة واحدة قبل 3 أعوام، حيث توجه إلى "الحرجة" وهي ساحة القرية المركزية قبل نكبة عام 1984، حيث كانت مركزا للقاءات الاجتماعية لسكان القرية في ساعات المساء، وسوقا طوال النهار، جاء إليها تجار من القرى المجاورة مثل سطاف، والقسطل، وخربة اللوز، وصوبا، وقالونيا.



ويتكئ "أبوفايق" على حجارة منزله في نابلس بينما يبدأ حديثه قائلا: "عين كارم كانت مدينة مركزية وكبيرة، سكن فيها حتى أواسط 1948 نحو 4000 نسمة، غالبيتهم خرجوا بحثا عن ملجأ قبل أن تهاجم قريتهم، وذلك بعد أن وصلت إليها لأخبار عن المجزرة التي نفذها مسلحون يهود في قرية دير ياسين المجاورة، أما شباب عين كارم الذين كانت بحوزتهم أسلحة بقوا في القرية من أجل الدفاع عنها".


ويضيف:" كان في الحرجة قبر الشيخ عبيد، وشجرة اعتاد المسنّون الفلسطينيون الجلوس تحتها، الآن تطل شجرة التوت بكآبة على موقف سيارات دفن تحته قبر الشيخ"، ويستطرد في حسرة "هنا كانت حارة عائلتنا وخلفنا حارة أخرى كان يسكنها عائلات أخرى منهم عائلة ذكور".


ويتابع المسن الفلسطيني قوله: "الصهاينة لم يهدموا منازل عين كارم كما فعلوا في غالبية القرى الفلسطينية التي احتلوها، بل استوطنوا فيها بشكل دائم، وماتزال المدينة حتى يومنا هذا قائمة كما كانت قبل النكبة".


وكانت القرية، بحسب الحاج حمزة، تنقسم إلى منطقتين، الأولى عليا قوامها مصاطب زراعية، والثانية منطقة سفلى تقع في واد غربي المنطقة العليا ودونها، وكانت المصاطب تبرز من تلال ترتفع إلى ما فوق الموقع وتتجه شرقا، فيما كان في أسفل الموقع، من جهة الغرب، واد عريض منبسط.



ويشير "حمزة" إلى أن موقع "عين كارم" كان آهلا منذ الألف الثاني قبل الميلاد، مؤكدا أنها "مسقط رأس يوحنا المعمدان"، كما يقال إن السيد المسيح والسيدة مريم العذراء زاراها مرات عدة، وثمة اعتقاد أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مر بها ذات مرة وصلى فيها خلال الفتح الإسلامي.


ويردف قائلا: "السجلات العثمانية أوضحت أن عين كارم كانت في سنة 1596 قرية في ناحية لواء القدس، ولا يتجاوز عدد سكانها 160 نسمة، وكانت تؤدي الضرائب على الغلال كالذرة والشعير, فضلا عن عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل ودبس الخروب وكروم العنب".


مسجد حزين


البيت الذي ولد وترعرع فيه والد "أبوفايق" يقع بجانب دير أخوات صهيون، حيث ماتزال حجارته كما هي منذ أن هجِّر قسرا من "عين كارم"، لكنه بات خاويا من سكانه الأصليين.


وإلى جانب منزله، تتزين "عين كارم" بموقع شهير ومقدس وهو "عين مريم"، الذي بني فوقه مسجد حمل اسم عمر بن الخطاب، الذي جاء إلى فلسطين سنة 638 وزار الموقع كما يبدو، ففي مطلع القرن العشرين بني طابقا فوق المسجد استُخدم حتى عام 1948 كمدرسة عين كارم الرسمية للبنين.


ويوضح الشيخ الفلسطيني أن المسجد الحجري النادر بملامحه العمرانية تتدفق من داخله عين ماء (عين مريم)، ويتكون من طابقين، الأول للصلاة والثاني استخدم كمدرسة، وكلاهما مغلقان من قوات الاحتلال منذ عقود، كما يمنع فيه أداء الفريضة.



وإذا كان الحاج "أبوفايق" هُجِّر من عين كارم داخل وطنه فلسطين، وبقي بإمكانه أن يزورها إن تمكن من ذلك، فإن شقيقة "أبوسمير" لم يستطع روؤيتها وزيارتها، حيث هاجر بعد النكبة إلى الأردن وبقي هناك، ويمنعه الاحتلال من الدخول إليها.


ويقول ابنه سمير لـ"دوت مصر": "أحلم أنا ووالدي بزيارة قريتنا، فقد حاولنا كثيرا أن نحصل على لم شمل لدخولها، ولكن محاولتنا باءت بالفشل، لنحرم من دخول أو رؤية منازلنا التي احتلها الصهاينة، ودنسوا مساجدها".


ويواصل: "أقام الصهاينة عدة مستعمرات على أرض عين كارم، ففي سنة 1949 أنشأ الاحتلال مستعمرتي بيت زايت وإيفن سابير على أراضي القرية، كما أنشأ عليها في سنة 1950 مدرسة عين كارم الزراعية، أما باقي الأراضي فقد ضمته بلدية القدس الغربية الإسرائيلية إليها".


"فداء ذكور"، فلسطينية من سكان "عين كارم"، ولد وترعرع فيها أجدادها ووالدها، وهجروا منها إلى الأردن عقب النكبة، إلا أنها زارتها بعد معاناة طويلة لمرة واحدة ولساعات معدودة.


وتقول "فداء" لـ"دوت مصر": "والدي وأجدادي من السكان الأصليين لعين كارم، ولكن بعد التهجير لم يبق أحد فيها، وجميع سكانها رحلوا إلى المدن الفلسطينية الأخرى، وإلى الشتات ومنه الأردن، وهو ما فعلته عائلتي، حيث كان من الصعب علينا أن نعود إلى عين كارم".


واستكملت: "حاولت مرارا أن أدخلها، وكان ذلك بعد معاناة طويلة، حيث حصلت على لم شمل ودخلتها كزائرة، وكانت زيارة سريعة لأنه أصبح من الصعب أن نبقى بها كثيرا، فقط نزورها كالغرباء مدة قصيرة، فبيوتها سكنها الغاصبون وحرمونا التواجد فيها".