التوقيت الثلاثاء، 07 مايو 2024
التوقيت 06:47 م , بتوقيت القاهرة

في بلادي.. الراقصات حرائر والمصلون معتقلون

لا شأن لي بقضية أبو تريكة؛ لأنني ببساطة لا أعرف تفاصيلها وأجهل مسار التحقيق فيها. لكن أعجبني الطريق الذي سارت فيه حملات الدعاية المساندة له ويمكن تلخيصها في الآتي.. صورة أبو تريكة يصلي أو يقرأ القرآن أو يؤدي مناسك حج أو عمرة أو يسجد ...إلخ ومع كل صورة جملة مؤداها أن هذا التقي الحاج المصلي قائم الليل جزاؤه من (الدولة) العقاب والتحفظ على أمواله الحلال.. في المقابل صورة لصافينار أو فيفي عبده وكذا من الراقصات ومع الصورة عبارة مؤداها أن هذه الراقصة حرة طليقة تتركها ( الدولة ) تنعم بما كسبت من مال تشوبه الشوائب.


ما سبق قطرات من ذات بئر الضلال والغش المبين.. الذي لم يملوا من الري منه ويبدو أنه مازال قادرًا على الخداع. والرد الحاسم أنه لا شأن للدولة بصلاة هذا وتقواه أو رقص هذه وعريها.. بل شأن الدولة الوحيد هل خالف أحدهما القانون أم لا ؟؟ ولا شئ آخر.


لنضرب مثالاً افتراضياً ماذا لو قام شيخ تقي نقي فقيه صوام قوام بقيادة سيارته في شارع، وفي ذات اللحظة يقود سيارة أخرى مواطن أخرق تافه غبي وربما له سوابق.. ولم ينتبه الشيخ لحظة فصدم عابرًا وأصابه أو قتله.. بينما الشاب (رغم كل ما به من آثام) لم يصدم أحدًا.. أليس من العدل أن يحاكم الشيخ بتهمة القتل الخطأ ؟ بينما الشاب ينام في بيته مطمئنًا. هل من الطبيعي أن نسمع عبارة ( الشيخ مسجون بينما الأخرق السوابق حر طليق) !!!!! هذا ما أتحدث عنه وما يخادعون به.


وحتى لا أبدو متربصاً بهم دون غيرهم.. لنضع مكان الشيخ في المثل السابق طبيبا نابها وليبق الأخرق التافه نموذجاً ثابتاً.. هل يمكن أن نتوقع هذه الجملة من نقابة الأطباء ( الطبيب الكبير الذي طالما عالج مرضى تضعه الدولة في السجن بينماً عديم الفائدة حر طليق ؟). الإجابة أنه لم يحدث أبداً لذا فالحديث عن هذه الفكرة واللعب بالثلاث ورقات تلك هو احتكار للمتاجرين في الدين لا أحد غيرهم.


ولنتذكر معاً طريق الخداع السابق منذ سنوات طويلة وأمثلته العديدة عندما طل ليدافع عن الشيخ صلاح أبو اسماعيل ( والد حازم أبو إسماعيل) عندما اتهم بالاتجار في العملة بالسوق السوداء، فسمعنا خطب الجمعة تزعق بطريقة الشيخ كشك (يحاكمون الشيخ الذي يصلي الفجر بينما راقصات الفجور ينعمن بالأمن يا دولة الفسق). ثم مؤخراً ظهرت ذات الفكرة التافهة مرات كثيرة تدافع عن كل ملتح له صورة يصلي فيها وتقارنه بآخر أو أخرى ( مطرب أو ممثلة .... الخ ) المهم يكون له نشاط يحرص الوعي الجمعي على الظهور بمظهر من يتأفف منه.


لو التزمنا الصمت الجبان معهم ومددنا خط الضلال السابق على استقامته فربما نسمع يوماً بعض ما يلي:
- أتحاكم الدولة حافظاً للقرآن وتترك من لا يحفظ؟


- وكيف يسجن المسلم ويترك المسيحي في بيته؟


وهكذا من غثاء سيل خادع يأخذ المستمع بعيداً عن الجرم أو التجاوز المعاقب عليه قانوناً والذي على أساسه فقط يتم العقاب. معتمدين على متلق (زبون )، يفترض أنه بتدينه يصير أفضل ليس عند الله بل يجب في الدنيا كذلك. ولا يصح أن نصدق عليه اتهاما أو نحقق في اشتباه طاله، تاركين من هو أقل منه تديناً. كما يفترض (هذا الزبون)، أن من لا يبدو عليه التدين فيجب أن تلصق به العيوب و يصدق فيه الذم و يستحق العقاب أصلاً.


وأهم الأثافي في الخداع والإفك السابق أنه يأخذ المتلقي بعيدا عن أهم ما يميز أي عقل تجاوز القرون الوسطى وهو  ((الاحتكام للقانون ))، الذي إن لم ترض عنه فليس لك كمواطن الحق أن تهينه أو تهمله أو تستبدله بمنظومة قيم أخرى تحكم بها على الناس، بل عليك فقط أن تنتقده بالطرق القانونية وتعلن عيوبه وتقنع الآخرين بضرورة مراجعته حتى يتم استبداله بقانون جديد.


ما سبق لوجه الحق.. أما إن كنت تريد أن تدخل الانتخابات أو تجمع الناس من حولك لأي غرض فإياك أن تحدثهم بالمنطق- حباله طويلة وطريقه ممل - والأنجح أن تلفحهم بالعبارات الزاعقة الجذابة القصيرة السهلة التي تستغل مشاعرهم وتجعل من نفسك نموذجاً لمعنى يحبونه من قبل أن يعرفوك . صحيح أنك بهذا تخدعهم وتضللهم لكن من قال (في سعيك للشعبية) أن هدفك هو الحقيقة !!