التوقيت الإثنين، 06 مايو 2024
التوقيت 04:05 م , بتوقيت القاهرة

صور| بـ"السجادة الحمراء".. "غزة" تتحدى الحرب بالسينما

بينما كانت مدينة غزة تغرق في الظلام الدامس نتيجة استمرار أزمة انقطاع الكهرباء، كان حي الشجاعية المدمر الواقع شرق المدينة يكتسي بالسجادة الحمراء، فيما قضى سكانه من أصحاب المنازل المدمرة ولأول مرة ليلة سينمائية بإمتياز، لتعود الحياة إليهم بعد أن ذاقوا ويلات الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي انتهت في أغسطس الماضي.


ونسجت "الستارة الحمراء" التي غيرت ملامح الحي المدمر على أيدي فنانين ومخرجين من أبناء غزة المحاصرة، ليسير عليها أصحاب المنازل المدمرة في حي الشجاعية، مما يعيد لهم كرامتهم المنتهكة، ويثبت للعالم أنهم أحد أجزاء المنظومة الإنسانية الكونية رغم الحدود الموصدة في وجوههم. 



أجواء الليلة الصاخبة بالصوت والصورة كانت إحدى فعاليات مهرجان "كرامة غزة" لأفلام حقوق الإنسان "السجادة الحمراء" 2015 ، الذي انطلق وسط المنازل المدمرة في حي الشجاعية، حيث عرضت أفلام سينمائية تحمل مضامين إنسانية أمام المئات من الذين انتهكت إنسانيتهم، وهدمت منازلهم، وقتل أبناؤهم. 


ويقول صاحب مبادرة مهرجان كرامة غزة، المخرج خليل المزين، لـ"دوت مصر"،: "إن السجادة الحمراء يسير عليها النجوم والمشاهير، ولكن نحن أردنا تغيير شكلها، فاخترنا منطقة الشجاعية الأكثر تعرضا لانتهاكات حقوق الإنسان، وأسدلنا السجادة بين الأنقاض ليمر عليها البسطاء، وأهالي الشهداء، وأصحاب المنازل المدمرة".



ويضيف: "السينما بوابتنا إلى العالم لكن نحن محاصرون، ولا يمكننا السفر للمشاركة في المهرجانات العربية والعالمية، لذلك قررنا عرض أفلام سينمائية في غزة، لنضفي أجواء الحيوية على حياة غزة الصامتة، فقد تواصلنا مع العديد من المؤسسات في الخارج، وأحضرنا أفلاما سينمائية ووثائقية تحمل مضامين إنسانية عالية".


المواطن رياض جندية -الذي هدمت إسرائيل منزله في حي الشجاعية-  كان أول الحاضرين هو وأطفاله الأربعة للسير على السجادة الحمراء، وحضور عروض السينما، حيث استمتع أطفاله بمشاهد فيلم "بيت النملة" الذي عرض فوق أنقاض منزلهم المدمر.


ويقول جندية لـ"دوت مصر" بينما يلتف أطفاله من حوله: "لم أحضر إلى منزلي المدمر منذ عدة أشهر، حيث لا يوجد ما يدعونا للحياة في تلك المنطقة، بعد أن فقدنا مأوانا الوحيد، لكني اليوم عدت إلى المنطقة التي كنت أسكن بها، وكان المشهد مختلفا تماما وجذب أطفالي للبقاء، حيث تفاعلوا مع الأفلام السينمائية، وقضوا خلال مشاهدتها أوقاتا ممتعة أدخلت الفرحة إلى قلوبهم".


وأردف:" مشهد السجادة الحمراء أعاد لنا اعتبارنا وأشعرنا بكرامتنا التي سلبها الاحتلال، فقد فرشت بين أنقاض منزلنا، وسار عليها كل من انتهكت إنسانيته، والجميع شعر بالفخر نتيجة اهتمام الفنانين بهم، وسعيهم لإدخال ملامح الحياة إليهم".


ويشير الناطق الإعلامي لمهرجان كرامة غزة، الشاعر سائد السويركي، على هامش الافتتاح إلى أن غزة التي أرادتها إسرائيل أن تحمل وجها جرحته الحروب، تعلن اليوم أنها بنت فلسطين بأكملها، وأنه لا يمكنها العيش خارج جذورها التي تمتد إلى الضفة والقدس، واستطرد : "اليوم غزة ومن خلال مهرجان السجادة الحمراء تحاور العالم عبر الصورة والصوت والسينما، وتحتضن مهرجانا سينمائيا كبيرا بشكل لم يعهده العالم قبل ذلك".



ويشير "السويركي" إلى أن مهرجان "السجادة الحمراء 2015" ينطلق بتوأمة مع مهرجان "كرامة الأردني"، وبالتعاون مع عدة شركات محلية في غزة للإنتاج الفني والإعلامي والسينمائي.


ويتابع: "جميع هذه المؤسسات أجمعت على أن حضور غزة السينمائي لايزال قويا، على الرغم مما تبقى من الجدران التي سحقتها الحرب، فعلى الرغم من آلاف الضحايا والمصابين وقلة الإمكانيات المتاحة إلا أن السيتما تنتصر هنا في غزة، لتصبح الأفلام العالمية جزء من واقع غزة, وتعرض وسط أنقاضها، وفي شوارعها المتربة التي باتت بلا حدود".


ويوضح "السويركي" أن مهرجان كرامة غزة لأفلام حقوق الإنسان هو "صورة غزة التي لا تنجح العتمة في طمسها، والوثيقة التي تؤكد أن الصواريخ  وقذائف المدفعية لن تستطع أن تخرج أبناء غزة عن السياق الإنساني.


وإلى جانب أصحاب المنازل المدمرة، تواجد العديد من المخرجين الفلسطينيين والمهتمين في الأفلام الوثائقية، الذين جذبهم مهرجان السجادة الحمراء للحضور، ودعاهم للسعي إلى تكرار التجربة مشاركة أفلام من إنتاجهم.


ويقول المخرج الفلسطيني فايق جرادة - أحد المشاركين في مهرجان السجادة الحمراء - إن إقامة مهرجان بصري في غزة أمر ملفت للنظر، والأجمل أن يكون هذا المهرجان متخصص في حقوق الإنسان في وقت انتهكت فيه كل أنواع حقوق الإنسان، ويضيف: "في غزة أن تنظم مهرجان تحت مسمى السجادة الحمراء على أنقاض البيوت المدمرة فهذا يعني أننا نسير على الدرب السليم، وأن غزة بدأت تعيش حالة رفض للمأساة".


ويستعرض المهرجان - بحسب "جرادة" - مجموعة رائعة من الأفلام التي تخاطب الإنسان وحقه في العيش الكريم والحياة والحب، نتيجة عمل جماعي محض غير متقيد بإطار ثقافي أو فكري أو مادي، فيما يتحدى إشكالية الرفض والقبول كونه يطرح خطابا مغايرا.



ويشدد "جرادة" على ضرورة الاعتناء بالصورة وثقافتها في غزة من جانب الأوساط العربية، وتهيئة الوسائل الإيجابية لخلق جيل لديه ثقافة فنية مدعمة بخطط يشترك فيها المثقفون والأكاديميون والباحثون والشعراء والمختصون والمخرجون.


واستكمل: "غزة في حاجة ماسة لمثل هذه المهرجانات السينمائية التي تحمل مضامين جميلة، لدورها الكبير في تحقيق الأمل لمن فقد منزله في الحرب، وإعادة روح الحياة لمن فقدها طوال الفترة الماضية".