التوقيت الثلاثاء، 16 أبريل 2024
التوقيت 09:30 م , بتوقيت القاهرة

لماذا يكره بعض المصريين إسرائيل

مبدئيًا لم أعثر على دراسة أو استطلاع رأي عن درجة كراهية المصريين لدولة إسرائيل ربما تقديرًا لأن المعروف لا يعرف أو باعتباره أمرًا بات إلى الفطرة أشبه، أو هرما مقدسا يحرم سبر أغواره، مسموح فقط أن تشارك فترفعه وتبني عليه إن استطعت أو على الأقل يكفي تتمسح في محفوظاته الحجرية، فتعيد ذات الكلمات ويا حبذا لو نفرت عروقك. هكذا تأخذ صكًا بأنك مصري وطني.. وإن لم تفعل فأنت خائن عميل لا محالة. لذا فإن سؤال العنوان ليس سوى انطباع عن الرأي المُعلن والمرضي عنه في أي سياق يعرج فيه إلى ذكر الدولة "اللعينة ".


لكن لماذا نكره إسرائيل؟ ( إن كنا نكرهها فعلاً كما أظن).
- هل نكرهها من منطلق ديني لأنها دولة اليهود؟


قبل الإجابة يمكن أن نُهمل حقيقة أنهم أهل كتاب وأن وشائج القربى بين القرآن والتوراة تفوق الحصر.. لكن يستحيل أن نتجاوز أنه ضرب من الجنون أن نرى يهود اليوم امتدادًا ليهود الأمس البعيد، وأن ما قيل في سياق خيبر وبني النضير يجوز على الأحياء اليوم، وإلا سيكون علينا أن نرى أنفسنا امتدادا لمجتمع الصحابة في يثرب ( المدينة).


من سيقول أننا نكره إسرائيل لأنهم يهود يتغافل عامدًا أن الحياة كانت تسير بالمصريين بحسن ومرقص وكوهين بلا مشكلات حقيقية على المستوى الاجتماعي، رغم التزايد المطرد في أعداد اليهود بمصر في القرن التاسع عشر من 5 آلاف في بداية حكم محمد علي إلى حوالي 60 ألف خلال عهد إسماعيل متركزين في القاهرة والإسكندرية ثم يتضاعف بعد ذلك حتى عام 1948.. ألم يكن هناك وزير يهودي في حكومة سعد زغلول (يوسف قطاوي باشا)؟!


ألم يكونوا يهودا عندما أقبل المصريون (مسلمين ومسيحيين) على محال عدس وريفولي وشيكوريل وجاتينيو وشملا.. ألم يكونوا يهودا عندما كان هناك نماذج درامية لليهودي المصري الطيب ( سليمان نجيب مع نجيب الريحاني في لعبة الست.. وتصبح أول سلسلة أفلام عربية تحمل اسم بطلها هي لممثل يهودي مصري (شالوم).. وعندما كانت ليلى مراد هي أهم وأغلى نجمات السينما المصرية.. أرجو أن أسمع ماذا كانت ديانتها؟ دون أي اشارة حينئذ ولو من بعيد لأي أحد يصرح أو يلمح أو يشير الى أن المصريين يكرهون اليهود.


إذًا فالكراهية ليست بسبب أنهم مجرد يهود.. ليطل السؤال من جديد لماذا نكره إسرائيل ؟؟


هل السبب عنصري؟.. هذا يستدعي أن نكون نحن جنسًا ويكون شعب إسرائيل جنسًا مغايرًا وهذا غير حقيقي لأن كلينا سام في الأساس.. كما أن العنصرية العرقية أصلاً ليست من مشكلات التمييز لدينا.


هل نكره إسرائيل بسبب تاريخ الحروب بيننا؟


الرد سيكون أنه أقل كثيرًا جدا مما بين العراق وإيران. وما حدث من ألمانيا لفرنسا في الحرب الثانية وما بين الولايات المتحدة واليابان وما كان بين إنجلترا وفرنسا لقرون طويلة وهكذا من أمثلة استطاعت ان تتجاوز كراهية لحظة الحرب رغم أن تاريخ العداء به من الضحايا عشرات أضعاف ما بيننا و(العدو) الإسرائيلي.


هل السبب أنها أخذت بلدًا عربيًا من وسطنا ؟


دون أن نخوض في نقد المغالطة التاريخية التي تنفي أي صلة لليهود بهذه الأرض.. ودون أن نستدعي تراثنا الديني نفسه الذي ينتصر لرأي آخر..  دون ما سبق فهو ادعاء غير جاد..  ففلسطين كانت موجودة قبل إسرائيل ولم تكن سوى منتدى لرحلات الأغنياء و محط للاستجمام والاختفاء القريب لا أكثر.. وأنتظر أي ذكر لفلسطين كدولة ونظام مستقر أو أن أحدا اهتم لحظة بقيام دولة فلسطينية واضحة المعالم حينها.


كما أن ما فعلناه لها منذ مايو 48 حتى اليوم لا يوحي أبدًا بأننا متأثرون بهذا الغياب وأذكركم ونفسي بأن لدينا أضحوكة صغيرة لزجة منذ كنا صغارا تقول ( ما الدولة التي أولها فلس وآخرها طين..!!!) في حين جنوب السودان أخذت أرضًا عربية أكبر وربما أهم لنا..  لكننا نراها صديقة !! حتى أنه تاريخيا لا أحد يلوم مصطفى باشا كامل زعيم الوطنية المصرية عندما كان ( وحتى الاتفاق الثنائي 1904 )  يلوذ بفرنسا في وقت كانت فيه تحتل الجزائر ولم ترحل إلا بعد مئات الآلاف من الشهداء واليوم بالمناسبة هي الصديقة الأهم للجزائر ذاتها!


فما هو السبب الأصلي المنطقي لأن تصير كراهية إسرائيل قدرًا محتومًا تحمله الشفرة الوراثية لأبنائنا؟


ربما علينا أن نكره إسرائيل من منطلق براجماتي وطني بحت لأنها تعمل ضدنا وتتعارض مصلحتها معنا كثيرًا.. فمثلاً تسعى لأن تستأثر بالسياحة وتمد نفوذها لإفريقيا على حسابنا وتعاظم في تسليح نفسها.. الخ. لكن الإجابة هنا تستدعي سؤالاً هو استفهام أكثر من كونه استنكارا.. هل من المفترض ألا تسعى أي دولة لمصلحتها ولأمن مستقبل أجيالها؟ هل نلومها أنها تجيد تسويق سياحتها أكثر منا! وتذهب وهي الصغيرة حديثة العهد فتمد نفوذاً وتبسط سيادة في مناطق مهمه لها على حساب نفوذ متضائل لدول منكفئة؟ هل من الطبيعي أن نطلب منها ألا تسعى لخير شعبها وتطمئن لقدراتها العسكرية في وقت يتباهى فيه محللونا جهارا نهاراً بأن حربنا القادمة مع إسرائيل لا محالة؟


في النهاية ..  لنرى إسرائيل عدواً شيطانًا أو دولة القردة والخنازير.. لكن علينا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة وإجابات منطقية ودقيقة لماذا نراها كذلك ؟ وهل إن زالت تلك الأسباب سيمكننا أن نغير من توجهنا نحوها ؟ هل مثلاً لو عقدت صلحاً نهائياً مع الفلسطينيين وأعلن أغلب الشعب الفلسطيني موافقته وسعادته هل لو فعلت إسرائيل هذا غدًا سنغير رأينا ونعتبرها دولة صديقة ؟؟  مجرد سؤال فربما ان تأكدت لفعلت.


هل من مصلحتنا أن نبقى في عداء إلى الأبد مع جار ملاصق ؟


تبدو الإجابات كما أظن أن غالبية المصريين سيظلون يكرهون إسرائيل مهما فعلت ومهما أبدت من نوايا (وهذا ما لم يحدث طبعاً فهي تعلم أنه بلا جدوى) سيكرهونها لأن أحدًا لم يسألهم جادًا إلى متى ؟.. سيكرهونها إلى الأبد وحتى تزول الدولة نفسها ويرحل هؤلاء الملايين عن جوارنا وهو ( لعبثيته ) ما لن يكون في أي مدى منظور.


كل ما سبق بافتراض أن المصريين يكرهون إسرائيل فعلاً ( وليس بحكم العادة ) وهو ما لا أملك عليه حتى اللحظة دليلاً علميًا.