التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 10:23 م , بتوقيت القاهرة

القاهرة الكابوس والحُلم

إحدى الصفحات الإلكترونية الطريفة على الإنترنت تُخبرك بتقدير عمرك حسب صورة وجهك.. كل المطلوب منك أن تُدخل صورة واضحة لوجهك فيُقدّر الموقع بمقاييس ما عمر صاحب الصورة ويُخبرك به.. قد يقدر عمرك بأكبر من الواقع أو أصغر بكثير.. ولكنك لن تعرف بالتدقيق مقاييس هذا التقدير، ولماذا قال إنك أصغر أو أكبر من عمرك.. وإذا أدخلت صورة أخرى لك قد يقدرك بعمر مختلف لأنه يرى في صورتك هذه أنك لا تتجاوز الثلاثين، بينما يقدرك في صورة أخرى بأربعين أو أكثر.


الصورة وثيقة في حد ذاتها.. تخبر أكثر كثيرا من الكلمات.. وتحدد الملامح وتبرز العيوب كما المميزات.. وهذا ما قرأنا عنه منذ عدة أيام فيما يخص معرض الصور الذي أقامه المصور شادي يوسف بعنوان (القاهرة الكابوس).. وقد قام بتصوير القاهرة على مدى عشر سنوات من 2004 إلى 2014 ليوثق ما يحدث في مبانيها من تعديات وفي تاريخها المعماري من تخريب متعمد أو إهمال غير مقصود.. في النهاية كانت النتيجة فقدان القاهرة لملامحها التاريخية الهامة بشكل مؤسف يحولها إلى مدينة كابوس على مدى عشر سنوات فقط!!


ماذا لو تضمن هذا البحث صور القاهرة من الناحية الجمالية بجانب المعمارية؟ وماذا يحدث عند ضفاف النيل القاهري؟ وماذا لو كانت صور الحدائق والأشجار والمساحات الخضراء وتحولها إلى مسطحات معمارية ومبان ضخمة وكتل خرسانية قد تم توثيقها في البحث أيضا؟


وماذا لو كان البحث يغطي مائة سنة بدلا من عشر سنوات؟ وماذا لو رصد تاريخ القاهرة الجميلة في قرن من الزمان وتحولها من عاصمة تنافس عواصم أوروبا وتحتل المرتبة الأولى في العواصم الجميلة إلى عاصمة التلوث والضوضاء والقبح وفقدان الهوية التاريخية متعددة وغنية الحضارات التي كانت عليها القاهرة منذ قرن؟ سيكون اسم القاهرة الكابوس غير كاف لوصف ما حدث فيها.


قلّ الكلام عن العاصمة الجديدة مؤخرا.. لماذا؟ لا أدري.. هل لأن أصواتا اعترضت على مكان العاصمة الجديدة واقترحت موقعا آخر لها يكون أكثر بعدا من القاهرة الحالية، وأكثر توسطا في مصر، وأكثر اتصالا بخط النيل الجنوبي؛ حتى تصل التنمية إلى صعيد مصر بشكل أفضل؟ ربما.. هل يراجع أصحاب القرار الموقع فقط أم أن هناك ما لم يتم الاتفاق عليه ولذلك سيتأخر المشروع؟ نريد المزيد من الشفافية حول هذا الأمر الهام.. ويهمنا كمواطنين عاديين أن نعرف أين ومتى وكيف ستكون العاصمة الجديدة.


وفي الوقت نفسه من الضروري أن يتنبه المسؤولون إلى حماية ما تبقى من أوجه الحضارة والتاريخ والجمال في القاهرة القديمة العاصمة الحالية والحفاظ عليه إلى أن ينتقل بعض الزحام والضوضاء إلى عاصمة جديدة ويحولون القاهرة إلى عاصمة تاريخية حضارية بها ملامح الهوية المصرية بتاريخها الغني وآثارها القديمة والحديثة الغنية.


لو وضعنا صور القاهرة الكابوس على موقع الإنترنت الذي يُخبرنا بالعمر سيقدر عمر القاهرة أقل كثيرا من الحقيقة.. وإذا وضعنا صورها القديمة قبل 60 أو 70 سنة سيقدر عمر القاهرة بشكل أقرب إلى الحقيقة وستكون النتيجة أنها عاصمة قديمة تاريخية حضارية.


إذا كنا نفرح بأن يقدر الموقع أعمارنا بأقل من الحقيقة سنحزن إذا قدر عمر عاصمتنا بأقل كثيرا من عمرها الحقيقي.. العاصمة الجديدة سوف تنقذ لا البشر فقط بل والعاصمة القديمة أيضا.. وربما إذا بدأوا في مشروع العاصمة الجديدة وانتهوا منها في عشر سنوات كما قالوا، تكون العشر سنوات القادمة هي الحُلم الذي يمحو كابوس العشر سنوات الماضية.