التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 02:13 م , بتوقيت القاهرة

كلهم أسامة

في ذروة أحداث التصعيد السياسي الذي مرت به  مصر، بداية من 25 يناير 2011، تمت عملية قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في الثاني من مايو 2011م على يد فرقة من القوات الخاصة الأمريكية، على مسافة ليست بعيدة من العاصمة الباكستانية "إسلام آباد".


ربما لم ينَل الخبر الاهتمام المناسب لأهميته من قبل المصريين، نظرا لكون الأحداث الداخلية في مصر التي تشغل جموع المصريين، وتملؤهم رعبا على حياتهم ومستقبلهم، كانت تستحوذ اهتمامهم بشكل تام، جعلت متابعة الأحداث الإقليمية والدولية ضربا من الرفاهية والنوافل، وجعلت من أكبر الأحداث العالمية خبرا عابرا، فحياتهم صارت مهددة بشكل مباشر.


في مليونية الجمعة 29 يوليو 2011، طافت مظاهرات الإسلاميين ميدان التحرير، لتعطي كتفا ثوريا مشروعا لرفاق الميدان، فيما عرف بجمعة قندهار الأولى، رُفِعت صور أسامة بن لادن، وارتفع هتاف: صوّر صوّر يا أوباما الميدان كله أسامة، في إشارة لـ "بن لادن".. وهي قولة حق لا نراجع فيها قائليها، فجميعهم بالفعل أسامة..  حضر هذه المليونية رموز التيار السلفي بمصر، واستدعوا من التنظيم الدولي للإخوان راشد الغنوشي، زعيم النهضة الإخواني التونسي.


بدءًا من العام التالي 2012 ودون إعلان رسمي، صار يوم مقتل أسامة بن لادن، بمثابة ذكرى كريهة تتخذ شكلا تصعيديا يناسب المرحلة، ففي 2012، وقبل إجراء الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، وفي ظل الصراع على السلطة، ارتأت بعض القوى السياسية والثورية أن شعبية المجلس العسكري في تناقص، مما شجع الكثير منهم على التعاضد مع الإسلاميين بمختلف فئاتهم المعتصمة بميدان العباسية، قرب مقر قادة القوات المسلحة، وزاد التوافد الإجرامي، في سابقة لم يحلم بحدوثها الجيش الإسرائيلي نفسه، أن يحاصَر عقل الجيش المصري، ممثلا في قيادة القوات المسلحة في قلب مقراتها، وارتفعت أعلام القاعدة قرب أبواب وزارة الدفاع المصرية.


وأعتقد أن حصار العباسية كان نموذجا أو "كارت" لوّح به الإسلاميون، في حالة إذا ما نجح في انتخابات الرئاسة من ليس على إرادتهم.


وكعادة اعتصاماتنا، حدثت اشتباكات منطقية، تناسب طبيعة الداعين لمثل هذه الاعتصامات الرخيصة، بينهم وبين مجهولين، ادعى على أثرها المعتصمون، مظلومية واستشهادا وقع في صفوفهم، وارتبكت الصفوف، ولأول مرة نرى بعيوننا ضابطا من الجيش المصري مختطفا على يد شرذمة من المجرمين، ونشاهد تسجيلات مصورة تظهر اتصالات تليفونية تتناول تفاوضات للإفراج عنه، بين الخاطفين وقيادات عسكرية، في قلب القاهرة! حتى تم إنقاذه من بين أيديهم، بواسطة مجموعة من القوات الخاصة.


ارتفعت بعدها يافطات في ميادين مصرية، ترفع صور قتلى الاشتباكات من الإسلاميين، وبجوار اسم كل منهم عبارة "شهيد مذبحة المجلس العسكري".


فمن زار العباسية عقب فض الاعتصام، كان سيستمع لروايات عديدة ما زال يحتفظ بها أهالي الحي الخديوي، عن مدى ما تعرضوا له طوال أسبوع الاعتصام من تلك العصابات، بالإضافة إلى تعليق صور ضحايا الحي، ممن قتلهم الإسلاميون ذبحا وخنقا أثناء دفاعهم عن حيهم، منهم من قُتل داخل مسجد النور، مثل الشاب "رأفت رضا" أو كما يشتهر بينهم باسم "قطة الحاتي"، أو الشاب "مصطفى محمود"، وظلت صور هذين الشابين معلقة فى صدر الميدان لفترة طويلة.


كان أهالي الحي يصطحبون الزائر ليشاهد أماكن آثار دمائهم.. ويتجولون به نحو منازل تم إشعال النيران فيها من قبل ملتحين من أنصار حازم أبو إسماعيل، ويروون قصصا عن تحرشات جنسية وسباب عنيف موجه لسيدات وأهالي محيط منطقة الاعتصام، وممارسات بلطجة وسيطرة كاملة على الحي، طوال فترة الاعتصام!


لم يظهر أبدا  من أهل الحقوق من طالب لضحايا حي العباسية بحقوقهم من قاتليهم، أو من عوضهم عن مفقوداتهم وعن أوقات إرهابهم، لكننا كنا نستمع حتى وقت قريب لمطالب لسياسيين ونشطاء مصريين، تطالب بمحاكمة المجلس العسكري، على قتل زهرات الجهاديين أتباع محمد الظواهري وحازم أبو إسماعيل في العباسية، وعدم منحهم حريتهم في اقتحام واحتلال وزارة الدفاع، وإعلان نجاح سيطرتهم على البلاد.


في العام التالى 2013، تغير نهج الصراع قليلا، بعد اعتلاء محمد مرسي الحكم، فدارت الدائرة ناحية الأجهزة الأمنية، وفي ذكرى مقتل بن لادن، توجه د.حسام أبو البخاري المتحدث الإعلامي لما يسمى بائتلاف دعم  المسلمين الجدد - لمحاصرة مقر الأمن الوطني بمدينة نصر، برفقة مجموعة من شباب الإسلاميين، جعلوا يختلقون مسببات مفتعلة للتصعيد، واستطاعت الداخلية تفريقهم، بعد تهديدات بالاعتصام، وبدء إلقاء المولوتوف على بوابات المقر، في إطار صراع تكسير عظام ممتد بين الداخلية والإسلاميين، تداريه ابتسامات باردة بين مرسي وجهاز الشرطة.


في 2014، وأثناء فترة إدارة الرئيس "عدلي منصور" تغيرت طبيعة الصراع إلى وجه مكشوف، وتم الاحتفال بذكرى مقتل بن لادن عن طريق التفجيرات المكثفة والعمليات الإجرامية الصريحة، البعيدة عن أي غطاء سياسي.


فتم صبيحة هذا اليوم تفجير أمام مقر محكمة مصر الجديدة، أسفر عن مصرع عريف شرطة من إدارة المرور وإصابة ضابط وثلاثة جنود بإصابات بالغة، بالإضافة لحادث تفجير سيارة ضابط احتياط بمنطقة الإسعاف مساءً ومصرعه، وتفجير انتحاري بأتوبيس سياحي بجنوب سيناء، وآخر بكمين عسكري بوادي طور سيناء، بالإضافة لاشتباكات المسيرات الإخوانية المعتادة، حيث صادفت ذكرى مقتل "بن لادن" العام الماضي يوم الجمعة.


قد تكون مصادفات كما يرى البعض، أو أنها مجرد ظروف مواتية وجد بها المجرمون فرصا سانحة لتنفيذ مخططاتهم الآثمة، ولكن تعلمنا في سنوات الأزمة، أن قليلا ما تخضع الأحداث للصدفة، خاصة إذا ما تكررت مثل تلك الوقائع.


والسبت القادم يوافق الذكرى الرابعة لمصرع "بن لادن" - وفقط نشير لإخوتنا فى أجهزة الأمن، الحذر والاحتياط ورفع درجات الاستعداد، ومؤكد أن هذه المعلومة لا تنقص الإدارات الأمنية، لكنها موجبات الحذر وضرورة الإشارة لمواضع الخطر تفرض نفسها، فلا ننسى أبدا أننا نواجه خصما خسيسا، حتى في نهج اختيار رموزه وأيامه المفضلة، كما يجب ألا ننسى أبدًا أن الميدان كان كله أسامة!