التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 09:33 م , بتوقيت القاهرة

"نوبار باشا".. اللي بنى سكك حديد مصر كان في الأصل أرمني

التاريخ المصري حافل بالعشرات من الحضارات والجنسيات والأديان التي عبرت على أرضها، والتي تركت بها أثرا واضحا، فما بين تركي وألباني وفرنسي وكردي، وآخرون، حتى صارت مصر بشكلها المتنوع التي تظهر به الآن.


"اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني".. تلك الكلمات التي كتبها الشاعر سيد حجاب، لم يكن يقصد بها شخص بعينه، فكل من عبر على مصر وترك بصمة وأثرا تم تدوينه بعناية في صفحات التاريخ المحروسة، بما له وما عليه.


ويعتبر "نوبار باشا" أحد هؤلاء الحلاونية، الذين تركوا أثرا ومذاقا في التاريخ المصري، وإن تصادف بعض الشيء أنه نثر بعض الملح على قطع حلواه، إلا أنه شخص يتفرد بالعديد من الإنجازات التي تسبقها كلمة "أول"، فهو أول رئيس وزراء مصري، وإليه يرجع تسمية شارع"نوبار" بحي السيدة زينب.


بوغوص نوبار نوباريان


ولد نوبار باشا في مدينة سميرنا بأرمينيا، في يناير 1825م، لتاجر أرمني يدعى موغرديتش، والذي كان متزوجا من قريبة لبوغوص بك يوسفيان، وكان وزيرا ذو نفوذ في حكومة محمد علي باشا، التحق نوبار بمدرسة ابتدائية بمدينة جنيف السويسرية، وتزامل مع الأمير نابليون "الإمبراطور نابليون الثالث" فيما بعد، والتحق بمعهد سويريز، حيث درس هناك 4 سنوات "1836- 1840".


مجيئه إلى مصر


جاء نوبار إلى مصر، وهو في عمر الـ17، بتزكية من خاله بوغوص بك يوسفيان، الذي كان يشغل وزيرا للتجارة والعلاقات الخارجية، لدى حكومة محمد علي، وعقب حضوره لمصر وطدّ علاقته بالآستانة (تركيا)، لما لها من دور فعّال في صنع القرار بمصر، فاستطاع مصاهرة أسرة كيفورك بك أرمينيان، ذائعة الصيت، والتي كانت على صلة وثيقة بالباب العالي (السلطان العثماني).


وساعده ذلك على القيام بمهام عدة، والحصول على عديد من الرتب والنياشين، وتوثقت هذه العلاقة أكثر عن طريق أبراهام صهر نوبار، وكان مقربا من السلطان عبدالعزيز، وأصبح كيفورك كبير صرافيه.



أول رئيس وزارء لمصر


بدأ نوبار في الصعود إلى المناصب العليا، في عهد الخديو إسماعيل، عندما استدعاه الخديو، ليكون أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة عام 1878م،  وتقلد هذا المنصب 3 مرات، وكانت أول "وزارة" لمصر، تضم 7 نظارات، وهي الخارجية والحقانية والداخلية والجهادية والأوقاف والمعارف والأشغال، وتولى نوبار وحده بجانب رئاسة الوزراء، وزارتي الخارجية والحقانية.


سفيرا لمحمد علي باشا


جعله محمد علي باشا، سفيرا لمصر في باريس، وتولى مسؤول العلاقات الخارجية لمحمد علي، وهو منصب مشابه لوزير الخارجية حاليا، وفي عهد إبراهيم باشا، تم تعينه مديرا للسكة الحديد والجمارك، ثم وزيرا للأشغال والخارجية، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رئيس نظّار مصر، وهو منصب رئاسة الوزراء.



اختلفت الآراء حوله


كمثل أي شخص أجنبي مارس السياسة في مصر، كان لا بد أن تحدث خلافات حوله، فهناك من قال إنه أحد الذين باعوا مصر للأجانب، ومنهم من وصفه بأنه أول من نادى بأن مصر للمصريين، وأنه كان مصلحا دستوريا، وأراد إلغاء السُخرة واستعباد الشعب المصري، وأنه كان وراء تنظيم المحاكم في مصر، حتى أخضع الأجانب المقيمين فيها للقضاء، حتى لو كان القضاء "مختلط".


واتهمه المصريون بالحصول على عمولات أثناء عقد القروض، ما أدى إلى استبعاده عام 1875، من المفاوضات بين مصر وبريطانيا حول بيع أسهم قناة السويس.


واُتهم بكبت حرية الصحافة بسبب مناهضتها للاحتلال، فألغيت العديد من الصحف، مثل الوطن عام 1884، وتعطيل الأهرام في العام نفسه، وإلغاء جريدة مرآة الرشق 1886، والزمان في العام نفسه.



أهم إنجازاته


- ترأس في عهد عباس الأول (1848- 1854)، المفاوضات مع بريطانيا، لتنفيذ عقود خطوط السكك الحديدية، ويرجع إليه الفضل في إنشاء الخط الحديدي الإسكندرية- السويس.


- استطاع أن ينتزع من العثمانيين فرمانات 1866، 1867، 1873، والتي بمقتضاها تم تعديل نظام وراثة العرش، فأصبح في أكبر أبناء الوالي، كما استطاع أن يعقد اتفاقية تعطي إسماعيل حق عقد المعاهدات مع الدول الأجنبية، وحق عقد القروض وزيادة عدد الجيش والأسطول.


- كان خلال حكم سعيد وإسماعيل هو المفاوض الرئيسي لتدبير قروضهما العامة والخاصة، كما قام بالمفاوضات لمراجعة توقف شركة قناة السويس، فأبرم عام 1863، مع الفرنسي فرديناند ديليسبس، عقد مقاولة حفر قناة السويس.


- قام بالمفاوضات بشأن تشكيل المحاكم المختلطة أسفرت عن إنشائها عام 1876.


ونظرا لاضطراب الأمن في عهده، وزيادة عدد الجنايات، شكلت عام 1884، لجنة إدارية للتحقيق مع الأشخاص المتهمين بالسرقة، أو الذين يشكلون خطرا على الأمن العام، كما تشكلت في نفس العام لجنة قومسيون الجنايات في مديريات الوجه البحري، ثم بعد ذلك بالوجه القبلي للتحقيق مع العصابات المسلحة، التي تهدف لسرقة المال أو الإخلال بالأمن العام.


- سعى في أوائل عام 1888 إلى تنظيم البوليس وإعادة تبعيته إلى مديري المديريات وإلغاء مركزه الرئيسي بالقاهرة.


- رشحته أوروبا حاكما عاما لبلغاريا عام 1877، إلا أن اندلاع الحرب الروسية العثمانية، في 27 أبريل 1877، حال دون تنفيذ ذلك، وتوفى نوبار باشا عام  1899م.