التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 09:40 م , بتوقيت القاهرة

إسقاط الوطن في مستنقع الجدل والهيافة

إذا لم تكن موضة المناداة بخلع الحجاب والحشد له "بروباجاندا"، إذًا فهي سياسة الكيل بمكيالين، فما نادوا به بالأمس من حرية المرأة أن تكون سافرة لا ترتدي الحجاب، فاليوم ينادون من ترتديه بخلعه، إذًا لم تكن مناصرة للحريات بل تأييد لحرياتهم هم فقط، ولتذهب حريات الآخرين للجحيم.. ما هذا!!


تكرار نفس الأخطاء فأين الجديد وأين التعلم مما سبق أم أن كل طرف كان منحازا لما يعتقد به، غير مؤمن بالحرية الشخصية وحرية العقيدة للآخر، أم يلبسوننا في الحائط فيدّعي الآخرون أننا لم نقم بثورة ضد النظام، بل ثورة ضد الإسلام وتنفخ في نيران الفتنة التي لم تخمد حتى الآن بل هي جمر سريعة الاشتعال في أي وقت، متى ما هبت ريح غبية لا تدرك نتاج تصرفاتها.


يا عزيزي نعلم جيدًا، ولم ننتظر منك لتخبرنا أن العفة والطهارة في الرأس وليست في غطاء الرأس، ففي عقود سابقة كانت المرأة سافرة، ولكن الأخلاقيات موجودة والاحترام متبادل بينها وبين الرجل، ففترات الخمسينات والستينات والسبعينات كانت فيها حرية المظهر للمرأة، وكانت فترات متزامنة مع وجود علماء دين أجلاء وقتها قلما يجود بهم الزمن.


ترديد البعض أن رأي الأزهر في الحجاب أنه عادة وليس فريضة، لا يمنع أو يُقلل من ارتداء الحجاب، بالعكس العادة من العادات والتقاليد إن لم تتعارض مع شرع فهي مباحة.


حقيقة لا يُمكن إنكارها أن الحجاب منذ الثمانينات أصبح عادة بعيدًا عن العبادة، إذا طالبت وحشدت لخلعه كيف سيخلعونه في ريف مصر وصعيدها، حتى المسيحيات هناك منهن محجبات بسبب العادات والتقاليد، إذا أخبرتهم أن "الحريم" يجب أن تخلع عنها حجابها، عفوًا سيُخلعونك أنت ملابسك الداخلية، لذلك إذا أردت أمرا اعقله أولاً قبل "البروباجاندا"، أو أنه درب من الجنون وحان وقت رجوعك لعنبرك فساعة التريض خلصت.


عامةً الحجاب انتشر في عموم مصر منذ الثمانينات، وأصبح عادة المجتمع من صعيده لسواحله من قبل دخول الإخوان سدة الحكم فخلعه ليس صفعة على وجه الإخوان كما يرددون بل خيبة قوية؛ ليؤكدوا أن الثورة ضد الإسلام لا النظام.


لم ننكر أن الدين الإسلامي تم فهمه بشكل خاطئ و كأنه يركز فقط على الظاهر ويترك الباطن؛ ونتيجة لذلك عن تعمد أو عن جهل أفرز إرهاب ودواعش اليوم، فكان لزامًا ترك حرية الملبس والعقائد مكفولة للجميع دون المساس بحريات أحد، لكن يبدو أنهم يجرونا جرًا لتكرار ما سبق دون التعلم منه بل ويزيدون.


مثلما رأيتم أن عدم ارتداء الحجاب حرية شخصية، فالأحرى أن ارتداءه حرية شخصية أيضًا، لا فرق بين الحريتين، بل تفوقها ارتداء الحجاب لأحكام الشرع وعادات وتقاليد المجتمع، الحرية للرجال وللنساء على حدٍ سواء بذقن أو من غير، فالحرية الشخصية مكفولة للجميع ما لم تضر أحدا أو تخترق قانونا.


لم تهدف إلا لتسليط الأضواء لأنك لو كنت تحدثت بواقعية لوجدت أن هناك أماكن أو مناطق أو أحياء أو حتى عائلات تتيح تلك الحرية للمرأة في سفورها أو حجابها ولن تجد من يضايقها حولها، ولكن في بلاد ومناطق وأحياء أخرى عدم ارتدائها للحجاب يجعلها في خطر وعرضة للمضايقات والتحرش، بل والعيب في سلوكها، فالموضوع عادات وتقاليد الآن أكثر منه عبادات متغلغل من سنين لا تستطيع محوه بهذه السهولة الا إذا كنت تهدف للفتن فعلاً، وهو الأقرب للتصديق فما من عاقل يثير مثل هذه الضجة.


لا تجعل خلافك السياسي يجرك جرًا كما النعاج لاضطهاد حريات الآخرين و كفاكم شقاًّ عن قلوب الآخرين، والتفتيش في نواياهم، وعما وقرّ في قلوبهم، فلا يعلمه إلا الله، إنْ كنّ سافرات محترمات أم عاهرات، أو محجبات محترمات أم عاهرات.


لماذا نصر أن نقع في نفس الأخطاء التي انتقدناها في السابق مرة أخرى، نحيد عن الحق ونكيل بمكيالين، عذرًا كِل أنت بمكيالين، أما أنا فأكيل بمكيال واحد وقانون واحد مع من أتفق أو أختلف، كلٌّ سواء والنوايا لله وحده هو من يستطيع قراءتها.