التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 11:11 ص , بتوقيت القاهرة

زيارة العبادي لكردستان.. هل تنقذ العراق من مصير السودان؟

في زيارة لإقليم كردستان العراق، هي الأولى منذ تسلمه منصبه قبل 8 أشهر، التقى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، صباح اليوم الاثنين، رئيس الإقليم الواقع شمال البلاد، مسعود البارزاني، لبحث خطة تحرير محافظة نينوي من قبضة تنظيم "داعش"، والتنسيق مع قوات البيشمركة الكردية للقضاء عليه.


اللقاء، الذي تطرق أيضا إلى اتفاق النفط الموقع بين حكومتي أربيل وبغداد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وسبل تذليل العقبات من أجل تطبيقه، يبدو ذا أهمية خاصة، لا سيما أن العلاقة بين الجانبين تشهد صراعا محتدما منذ عقود، وصل إلى حد تلويح كردستان بالانفصال.


بداية الصراع


حمل إقليم كردستان العراق اسم منطقة الحكم الذاتي الكردية عام 1970، بموجب اتفاق تم توقيعه بين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي (حينذاك)، صدام حسين، وممثلين لزعيم المتمردين الأكراد وقتها، مصطفى البارزاني، بعد سنوات من الحرب بين بغداد والأكراد، قبل أن يتحول الإقليم عام 2005 إلى الاسم الحالي، ويصبح له علم ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان وجيش خاصين به.


ومنذ العام 1975، وخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، ظلت السيطرة الفعلية في جزء كبير من المنطقة الكردية بيد بغداد، التي تمركزت قوات من جيشها بالمدن الكردية الكبرى، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 وتأسيس منطقة الحظر الجوي، لم يعد للعراق تأثير يذكر في منطقة الحكم الذاتي الكردي.


وبعد غزو العراق عام 2003، وضعت حكومة كردستان يدها على أجزاء من الأراضي التي تطالب بها وضمتها لإقليمها، وفي دستورها المحلي الجديد الصادر عام 2005، طالبت حكومة الإقليم بضم أراضي ومناطق متفاوتة المساحة في أقاليم نينوي وأربيل وكركوك وديالي وواسط.


غير أن هذا المطلب لاقى رفضا من حكومات بغداد المركزية، التي اعتبرت أن المادة 140 في الدستور العراقي الجديد تمثل آلية لتحديد وضع هذه الأراضي مستقبلا، وهو الدستور الذي منح الإقليم صلاحيات واسعة تاركا تحديد مصيره للسنوات المقبلة.


تصاعد التوتر


التوتر بين بغداد وكردستان تصاعد عقب انسحاب القوات الأمريكية في ديسمبر/ كانون الأول عام 2011، عندما دب الخلاف بين الجانبين على مناطق خارج إقليم كردستان، تسمى بالمناطق "المتنازع عليها"، واحتياطات خام النفط التي كانت استقطبت عمالقة الصناعة إلى الإقليم، ما أزعج بغداد التي تقول إنها تملك حقوق التنمية النفطية.


وجاءت الأزمة السورية في العام ذاته لتزيد هوة الخلاف بين الجانبين، وليجد كل طرف نفسه يقف على النقيض من موقف الآخر، ويدفع مسؤولو بغداد ومسؤولون أكراد، كل على حدة، بقواته للحدود السورية بهدف تأمينها من الاضطرابات بالدولة المجاورة.


غير أن الوضع انتهى بجنود عراقيين من العرب والأكراد بمواجهة بعضهم على امتداد الحدود الداخلية المتنازع عليها، قبل أن يتم التوصل بين الجيش العراقي وقوات البشمركة على أن تنسحب هذه القوات التي تم حشدها إلى مواقعها السابقة.



وفي أواخر عام 2013، هددت حكومة إقليم كردستان بتصدير كميات كبيرة من النفط عبر تركيا دون مشاركة بغداد، ما دفع - إلى جانب التشجيع الذي دعمته الولايات المتحدة وإيران من أجل المصالحة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان قبل انتخابات 30 أبريل/ نيسان 2014 - حكومة رئيس الوزراء العراقي وقتها، نوري المالكي، إلى اقتراح آلية جديدة لتصدير النفط.


نقطة تحول


وفي أوائل عام 2014، وبسبب مشكلات بين الطرفين تعود بالأساس إلى الموارد المالية بدءا من قانون الميزانية، مرورا بمرتبات "البيشمركة"، وصولا إلى آليات تصدير النفط من الإقليم وانتهاء بالمناطق المتنازع عليها، تطور الخلاف بين أربيل وبغداد لدى البعض في الإقليم بإمكانية الانفصال عن العراق.



وبعد سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق واسعة من العراق وسوريا معلنا قيام ما اسماها "دولة الخلافة"، ووسط انسحاب الجيش العراقي، دخلت قوات البيشمركة محافظة كركوك، الهدف الدائم للأكراد من أجل ضمها إلى الإقليم.


ودعا رئيس إقليم كردستان، في 3 يوليو/ تموز، برلمان الإقليم للإسراع في تشكيل لجنة تشرف على استفتاء تقرير المصير للانفصال عن العراق، وتحديد موعده، مؤكدا أن قوات البيشمركة لن تنسحب من المناطق المنتشرة فيها حاليا في محافظة كركوك ومناطق أخرى، التي تعد من المناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد.



حلقة جديدة


وبعد تسلم رئيس الحكومة الجديد، حيدر العبادي، زمام السلطة في العراق، في أغسطس/ آب الماضي، كان الشعور السائد يفيد بأن تشهد المرحلة جوا من التوافق بينهما، وخصوصا في ظل الضغوط الأمريكية التي مورست على "التحالف الوطني" لتشكيل حكومة وحدة تمثل جميع مكونات الشعب العراق، وتسعى إلى تنفيذ مطالب هذه الأطراف.



لكن البرزاني كشف عن نيته اللجوء إلى تقديم طلب رسمي للأمم المتحدة وبعض الدول التي وصفها بـ"الصديقة"، لحل ملف استقلال الإقليم، مشبها إجراءات الانفصال بالإجراءات التي قام بها جنوب السودان كي يحصل على استقلاله.


فيما تصاعدت الخلافات بين الطرفين، رغم إعلان وزارة المالية العراقية منذ يومين، تحويل مبلغ 250 مليار دينار (نحو 230 مليون دولار أمريكي) لحكومة الإقليم كرواتب عن شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بسبب انهيار الثقة بينهما.


نهاية مفتوحة


ووسط الهزائم المتتالية التي يتلقاها تنظيم داعش في العراق، يبرز صراع جديد بين القوات الحكومية وقوات "البشمركة" الكردية، في شأن من سيمسك الأراضي المحررة في شمال العراق، بعد انسحاب تنظيم "داعش" منها، إذ يسعى الأكراد إلى التمسك بها إداريا، وضمها إلى إقليم كردستان، في الوقت الذي تعتبره بغداد أسلوبا غير قانوني لم يجزه الدستور.


فهل تنجح زيارة العبادي في وضع نهاية لهذا الصراع، وإنقاذ العراق من مصير السودان؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.