التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 06:00 م , بتوقيت القاهرة

مشكلة في إسلام أم إسلام في مشكلة؟!

تتصاعد تداعيات موضوع الباحث إسلام بحيري وتتفاعل في الأيام الماضية، منذ قرر الأزهر أن يحاول إبعاده عن المشهد بتقديمه طلبا لوزارة الاستثمار لوقف البرنامج.


إسلام بحيري حالةٌ مُثيرةٌ للجدل منذ ظهورها، ولكن أهم ما يُميزه أنه نقل محتويات كتب التراث للنقاش العام، بعد أن كان محصورًا بين المثقفين من جهة ورجال الدين من جهة أخرى، وهو نقاش كان ينتهي في العادة لمصلحة رجال الدين  لسببين:


الأول أن كثيرًا من مثقفينا الجبناء يُفضل أن يختار معارك تجذب له مؤيدين من حوله، بدلا من معارك يقاتل فيها وحيدًا في سبيل إصلاحٍ حقيقي، لهذا فهذا المثقف كثيرًا ما كان يُثرثر بعبارات تُعجِب الجماهير، حتى لو كانت خاطئة، وحتى لو كانت لا تخدم قضيته بقدر ما تخدم قضايا خصومه، فالمهم عنده أن يحظى بدعم وتصفيق من عدد كبير من الناس.


لهذا تجده يرتب أولويات قضاياه على أساس ما سيحوز من خلاله على أكبر كم من التصفيق، ومن المعروف أنك كلما أسمعت الناس ما يريدون أن يسمعوه فستحظى بتأييد أكبر، لهذا فهو يسعى دائمًا لتشخيص أمراض المجتمع بشكل خاطئ.


أما السبب الثاني فهو أن أي نقاش حول الفكر الديني يتم بمعزل عن المجتمع لا يغير أفكار المجتمع ورؤيته،  الفكر الديني، والفكر عموما هدفه هو الوصول إلى الناس، لهذا فكل النقاشات التي تُعقد داخل صالونات مغلقة لا تشكل تغييرًا في المعادلة الفكرية. الهجوم على النخب المنعزلة سهل، وأفكارها لا تصل إلى الجمهور.


كان فرج فودة ذو تأثير كبير إلى حد ما لأن كتيباته ومقالاته كانت تُنشر ويتم قراءتها في وقت كان المجتمع كله والظروف من حوله تتحول نحو مزيدٍ من الدروشة، وكانت المناظرة الشهيرة في معرض الكتاب هي في الأغلب اللحظة التي تم اتخاذ قرار اغتياله بعدها.


منذ ذلك التاريخ أثار الكثيرون الجدل ولكنّهم لم يمتلكوا شجاعة إسلام، وتصميمه على خوض المعركة، برنامجه التلفزيوني حقق نجاحًا كبيرًا ومشاهدة جيدة من مؤيديه ومعارضيه على حد سواء.


من المهم جدًا أن يتحول الفكر الديني من موضوع نقلي جامد  موروث يجب أخذه على علاته، إلى موضوع يستهدف إقناع الناس، مخاطبة عقول الناس أمر مهم في أي مجتمع يتجاوز عقله مرحلة الطفولة، أما أن نظل نخاطب غرائز الناس وعواطفهم فهو دليل على مجتمع بعقلية طفل لا يزال في حاجة إلى وصي وإلى حواديت خرافية يحكونها له ليغط في سباته العميق.


ليست  هناك مشكلة في إسلام مهما بحثوا فيه عن عيوب ومشاكل، من عينة العصبية وسهولة الاستفزاز، فهذه كلها قضايا بعيدة عن مضمون الخلاف، وليست السبب الحقيقي في الهجوم عليه.


هناك إسلام في مشكلة، نسخة الإسلام التي يتم اقتباسها من كتب التراث هي النسخة التي تواجه المشكلة، إسلام الآراء والفقهاء والأحاديث والنصوص المناقضة للعقل في مشكلة، إسلام العنف والترويج للقتل والدماء في مشكلة، إسلام معاداة العلم ومناقضته في مشكلة.


إعلان الحرب من الأزهر والمؤسسات الدينية على محاولة التفكير ومحاولتهم منع التفكير بشكل جديد  أقرب لروح العصر لن يقود إلا  لإسقاط القداسة عن المزيد والمزيد من حصونهم المقدسة، لأنه ببساطة لم يعد من الممكن أن تقنع الناس بكم التناقضات الموجودة، وبكم العنف الذي يتم تمجيده مرة ورفضه مرة.


مهما حاولوا حصار الرجل، فستظل حصونهم المقدسة تتهاوى طالما لم يدافعوا عنها بالعلم والعقل، مالم يغيروا منهجهم فالمعركة ستظل قائمة في وجود إسلام بحيري وفي غيابه.