التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 07:16 م , بتوقيت القاهرة

إذا فشلت دولة الإيمان في أن توحدنا فلنكن دولة قانون!!

نقلت لنا وسائل الإعلام مساء الجمعة 27 مارس خبراً مؤسفاً مفاده أن هجوماً بالطوب وقنابل المولوتوف وقع على كنيسة العذراء بقرية العور-  قرية شهداء مذبحة داعش فى ليبيا - من بعض المتشددين، وأسفر هذا  الهجوم عن بعض التلفيات فى كنيسة القرية وإحراق سيارة كانت تقف بمحيط الكنيسة.


وفي حقيقة الأمر أنه منذ سبعينيات القرن العشرين وفي عهد الرئيس المؤمن محمد أنور السادات الذي أطلق على مصر "دولة العلم والإيمان"، تزايدت أحداث الاعتداءات على المسيحيين ومحلاتهم وبيوتهم وكنائسهم، وحتى بعد 25 يناير 2011 خدعنا بعض المحللين في وسائل الإعلام بالقول: إن النظام السابق- نظام مبارك-  هو السبب الرئيسي في كل ما جرى للمسيحيين، وأنه بعد الآن لن يحدث أي عنف ضد المسيحيين، ولكن دارت الأيام وثبت كذب هذا التحليل وحدثت أحداث كنيسة المريناب والعامرية وأحداث دهشور وغيرها من الحوادث المؤسفة التي لم تسلم منها حتى قرية شهداء ليبيا، هذا فضلاً عما يحدث لبعض المسيحيين في بعض الأماكن من تهجير قسري وإجبارهم على ترك بيوتهم، ويعوزني الوقت إن تحدثت عن الاعتداءات المتكررة على محلات المسيحيين وتخريبها ونهبها وسلبها .


هذه الأحداث اعتاد الإعلام أن يسميها بـ"الفتنة الطائفية"، وفي حقيقة الأمر هذه التسمية خاطئة، حيث إن التوصيف السليم لها هو "أعمال إجرامية"، أو "اعتداءات دينية"، حيث إن بعض المضارين يتعرضون للاعتداءات لا لشيء إلا لأنهم مسيحيون وليس لأنهم طرف في مشاجرة أو نزاع.


وفي المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة الأمية الأبجدية والثقافية بكثافة من الطبيعي أن يحدث هذا من أي أغلبية تجاه أي أقلية، وحتى إذا تلاشت الأمية وانتشر التعصب ورفض الآخر فمن البديهي أن تحدث مثل هذه الأعمال الإجرامية على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الثقافة، ولكن الفرق بين دولة المواطنة ودولة الأهل والعشيرة هو تطبيق القانون على المخطئ ومحاسبته دون اعتبار لدينه أو انتمائه للأغلبية.


ففي دولة مثل أمريكا مثلاً ترى عددًا كبيرًا جدًا من الاختلافات بين البشر،  ورغم ذلك يتعايش الجميع في سلام وأمان، لأن هناك شيئاً واحداً فقط يجبرهم على التعايش: إنه دولة القانون بلا استثناءات!


ولعل ما فعله الرئيس دوايت أيزنهاور يؤكد ما أقول، ففي عام 1957م رفض حاكم ولاية أركنساس دخول السود مدارس البيض، ولمَّا حكمت المحكمة الاتحادية ببطلان هذا الإجراء اعترض حاكم الولاية على حكم المحكمة، بل تمرد عليه استجابةً للجو العام  والضغط الشعبي من سكان ولايته من البيض، حتى أنه أعلن أن قرار الاختلاط بين البيض والسود في ولايته سيؤدي إلى إشعال الفتنة وإراقة الدماء في الولاية، فما كان من الرئيس"دوايت أيزنهاور" إلا أن أمر الفرقةَ العسكريةَ الشهيرة (101) باحتلال ولاية أركنساس، معتبراً إياها في حالة عصيان مدني، وأمر بحلِّ جيشها البالغ عشرة آلاف مقاتل تحقيقاً لهيبة الدولة واحترامها لحقوق كافة مواطنيها من سود وبيض، كما حكمت المحكمة على مدير المدرسة وعمدة المدينة بالسجن بتهمة التمييز.


هذه هي دولة القانون التي لا تفرق بين مواطنيها لا على أساس لون أو جنس أو دين، فإذا كنا في مصر دولة العلم والإيمان كما أطلق عليها الرئيس السادات، وصلنا إلى هذه الدرجة من الرخاوة، وفشلنا في أن نتعايش معاً، وأن تديننا وتعبدنا للإله الواحد فشل في أن يجعلنا نقبل التعددية والتنوع،  وعجز عن أن يمنعنا من الاعتداء على المغايرين دينيًا، فعلى الأقل لنكون دولة قانون يقف الجميع أمامه متساوين دون أية حسابات أو اعتبارات لأغلبية أو لأكثرية، بدلاً من أن تتحول مصرنا لغابة يكون فيها البقاء للأقوى والاستمرارية للعنيف، ووقتها لن يكون هناك وطن.