التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 03:44 م , بتوقيت القاهرة

المعونة الأمريكية لمصر.. "خلاص هتنزل المرة دي"

أبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال مكالمة هاتفية، الثلاثاء الماضي، أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت استئناف المعونات العسكرية لمصر بعد فترة توقف، وهو القرار الذي كان قد أعلنه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في أثناء كلمته بالمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ المصرية مارس الماضي، لتظهر العديد من الأسئلة حول عودة المعونة في الوقت الحالي، وأسباب التراجع الأمريكي المثير للجدل.

ما المعونة العسكرية الأمريكية لمصر؟ ولماذا؟

تثير المعونة الأمريكي المقدمة لمصر القدر الأكبر من الجدل دائما، فهي ثاني أكبر معونة أمريكية خارجية، بعد المعونة التي تقدمها لاسرائيل، فالتمويل العسكري الخارجي مخصص للمنح التي تمكن الحكومات من الحصول على معدات عسكرية أمريكية، ومعظمها موجه لدعم الاحتياجات الأمنية لإسرائيل ومصر، وبلغ 4.6 مليار دولار في 2004، أي ما يقرب من 95% من إجمالي المعونات العسكرية حسبما ذكرت صحيفة "تليجراف" البريطانية.

وكانت فترة حرب الخليج قد شهدت أعلى درجات التنسيق بين مصر والولايات المتحدة، زادت فيها قناعة الإدارة الأمريكية بدور مصر الهام في المنطقة، بالإضافة لأهمية الحفاظ على مصادر النفط وتأمين قناة السويس، وتشير الوثائق الإستراتيجية الصادرة عقب حرب الخليج عن البيت الأبيض والبنتاجون إلى  5 محاور هامة وهي :

الأول: الالتزام بأمن اسرائيل وضمان تفوقها النوعي والالتزام بأمن الدول الصديقة ومن بينها مصر.

الثاني: الحفاظ على السلام المصري الإسرائيلي واعتباره مصلحة أمريكية.

الثالث:  الاستفادة من الدور الريادي لمصر في دعم الاستقرار في المنطق.

الرابع: التعاون مع مصر في مواجهة التهديدات الموجهة إلى الأصدقاء المشتركين.

الخامس: تحديث القوات المسلحة المصرية لتخفيف العبء عن الاقتصاد المصري بما يمكنها من القيام بدور في الشرق الوسط.

وبناءً على ما سبق، تم إلغاء ديون مصر العسكرية، فارتفع بذلك مجمل المعونة العسكرية حتى عام 1998 إلى 40 مليار دولار، ولم تتعرض المعونة العسكرية لبرامج الخفض نظرا لتماشيها مع الأهداف السابقة، في حين تعرضت البرامج التنموية فقط لخطط الخفض.

ويبين تقرير صادر عن مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي الأمريكي، بعنوان "حاجة الدولة ووزارة الدفاع لتقييم كيف يحقق برنامج التمويل العسكري لمصر أهداف السياسة الخارجية والأمن للولايات المتحدة"، أن المساعدات الأمريكية لمصر تساهم في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وأوضح أن من بين المصالح الأمريكية التي تم خدمتها نتيجة تقديم مساعدات لمصر هي:

سماح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة لحوالي 861 بارجة حربية أمريكية بعبور قناة السويس خلال الفترة من 2001 إلى 2005، وتوفيرها الحماية اللازمة لعبور تلك البوارج.

قيام مصر بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية، و25 دبلوماسيا عراقيا خلال عام 2004.

أقامت مصر مستشفى عسكريا، وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005، حيث تلقى أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية.

الحفاظ على توازنات القوى داخل المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية.

المعونة إذن من أهم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، يتم توجيهها وفق أهداف الولايات المتحدة الإستراتيجية سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو استخبارية، ومع الانتشار الواسع لبرامج المعونة في مصر وتغطيتها لقطاعات واسعة وأنشطة عديدة تسهل عملية جمع المعلومات والبيانات التي تحتاجها الإدارة الأمريكية.

صور تقديم المعونة

ويأخذ التعاون العسكرى بين مصر والولايات المتحدة عدة صور تتمثل فى مبيعات السلاح، ونقل التكنولوجيا العسكرية، والمناورات والتدريبات العسكرية المشتركة وتأتى معظم مبيعات السلاح من خلال المعونات العسكرية السنوية والتى تبلغ نحو 1.3 مليار دولار. 

ومنذ عام 1994 بدأت المناورات العسكرية المشتركة المعروفة باسم "النجم الساطع" بمشاركة قوات مصرية وأمريكية، وقوات دول حليفة بهدف التدريب على العمليات القتالية فى الظروف الصحراوية القاسية فى الشرق الأوسط.، وتمنح العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية واشنطن مزايا عسكرية ولوجستيكية شديدة الأهمية مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى حال حملها أسلحة نووية، بحسب ما ذكر موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

لماذا منعت الولايات المتحدة المعونة؟

في 24 يوليو الماضي أوقفت الإدارة الأمريكية توريد 4 طائرات من طراز " إف 16" كان قد حان وقت تسليمها للقوات المسلحة المصرية احتجاجًا على الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وفي 15 أغسطس الماضي أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إلغاء مناورات "النجم الساطع" مع مصر، احتجاجا على أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، وفي 18 أغسطس أعلنت واشنطن عن وقف المعونات الاقتصادية السنوية لمصر والمقدرة بـ250 مليون دولار، قبل أن يقرر أوباما إيقاف كل المساعدات لمصر بصورة مؤقتة، كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

وفى 21 أغسطس، كشف تقرير عرضته مجلة "ديلى بيست" الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية قررت سرا وقف تقديم مساعدات عسكرية لمصر، وبالفعل ذكر مكتب السيناتور باتريك ليهى، رئيس لجنة المخصصات المالية بالكونجرس أن إدارة أوباما قررت إيقاف كل أنواع المساعدات لمصر بصورة مؤقتة، مما  يعنى أن ما تبقى من قيمة المساعدات لميزانية عام 2013 والمقدرة بـ585 مليون دولار مخصصة للجيش المصرى لن تصل لمصر.

وفى نفس السياق قال أوباما فى 23 أغسطس في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، إن الإدارة الأمريكية تقوم حاليا بعمل تقييم شامل حول العلاقات الأمريكية المصرية، بما فيها المعونة العسكرية، مستبعدا عودة العلاقات التجارية مع مصر إلى ما كانت عليه في السابق، كما ذكرت تقارير صحفية أمريكية في 2014، من بينها تقرير لواشنطن بوست، أن هناك نية لدى إدارة أوباما لوقف تزويد مصر بـ12 طائرة أباتشى من طراز "أي إتش 64 دي"، والتي تعود عقود شراءها لعام 2009 على أن تسلم خلال شهر سبتمبر عام 2014، وتقدر قيمة الصفقة بـ820 مليون دولار.

وعلى الصعيد الشعبي، كشف استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث "بيو" للناس والصحافة، أن نحو 51% من الأمريكيين يؤيدون قطع المعونات الأمريكية لمصر، مقابل 26% يفضلون استمرارها على أمل التأثير على مجريات الأحداث في القاهرة، بعد أن أعلن الجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، عقب احتجاجات شعبية واسعة، واعتبرت الإدارة الأمريكية الخطوة التي قام بها السيسي انقلابا عسكريا على رئيس منتخب وذلك معادي للديموقراطية.

كما أثار فض اعتصام رابعة العدوية الذي شارك به أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اعتراضا على الخطوة التي اتخذها الجيش المصري بعزل محمد مرسي، وقتل العديد من المدنيين في أثناء فض الاعتصام، وحبس العديد من الصحفيين خرقا لحقوق الإنسان.

لماذا أعادت أمريكا المعونة مرة أخرى؟

قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بيرناديت ميهان، إن باراك أوباما وجه بالإفراج عن 12 طائرة من طراز "إف 16"، و20 من صواريخ "هاربون"، و125 دبابة من طراز "إم 1 إيه 1"، وهى المعدات العسكرية التي تم حجبها عن مصر، منذ أكتوبر 2013 حسبما ورد بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وأشارت ميهان في بيان صدر عن البيت الأبيض، إلى أن الرئيس أوباما وجه باستمرار تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا، لتظل مصر ثاني أكبر الدول الحاصلة على المساعدات العسكرية الأمريكية.

مكافحة الإرهاب

وأوضحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، أن الرئيس أوباما، قرر تحديث علاقات المساعدات العسكرية المصرية الأمريكية، مشيرة إلى أنه اعتبارا من العام المالي 2018، سينتهي العمل بآلية التمويل النقدي التي تسمح لمصر بالشراء على أساس الائتمان، لافتة إلى أنه سيكون هناك مرونة أكثر بالتنسيق مع مصر، لتحديد المساعدات العسكرية الأمريكية لها، على أساس التحديات والاحتياجات على الأرض.

وأكدت أنه اعتبارا من العام المالي 2018، سيتم تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية لشراء معدات جديدة تخصص لأربع فئات، وهي مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وأمن سيناء والأمن البحري.

استعادة الأمن

وبهذه الطريقة، يمكن ضمان استخدام المساعدات الأمريكية لدعم الأهداف المشتركة في المنطقة، بما في ذلك ضمان أمن واستقرار مصر والقضاء على التنظيمات الإرهابية، وستسمح هذه الإجراءات بوضع برامج المساعدات الأمريكية لمصر في إطار يتماشى مع أولويات الولايات المتحدة الأساسية الراهنة حسبما قالت المسئولة الأمريكية.

وستجعل تلك الإجراءات المساعدات العسكرية الأمريكية في وضع أفضل لمعالجة التحديات الأمنية الحالية بما في ذلك تصاعد التنظيمات المرتبطة بداعش في مصر والتي شنت هجمات استهدفت قوات الجيش والمدنيين في سيناء وتعزيز علاقات المساعدات العسكرية من أجل دعم مصالح الأمن القومي.

الاتجاه للتسليح من فرنسا وروسيا

يرى بعض المحللين أن التخوف الأمريكي ازداد بعد أن لجأت مصر إلى استيراد طائرات "رافال" الفرنسية الحربية، كما أنها عقدت عدة صفقات أسلحة مع الدب الروسي الذي تخشى أمريكا أن ينمو نفوذه عالميا، مما يبشر باستغناء مصر عن أمريكا تماما، لذا تحاول الولايات المتحدة إعادة العلاقات الطيبة مع مصر.

ولكن بيد أن حرص واشنطن على مصالحها لم يأتِ دون فرض شروط جديدة، إذ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أنه ابتداءً من عام 2018 سيكون في مقدرة المسؤولين الأمريكيين فرض مراقبة أكبر بخصوص نوعية الأسلحة التي ستحصل عليها مصر، وهو ما سيمكن واشنطن من تركيز مساعداتها العسكرية لتشمل معدات محاربة الإرهاب، وكذا توجيه الاستثمارات نحو تأمين المجال البحري والحدود البرية، وذلك عكس ما كان يجرى في الماضي حينما كانت القاهرة تفضل اقتناء المدرعات والمقاتلات.