التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 04:13 ص , بتوقيت القاهرة

التحالف المصري السعودي: هدف ومستهدف

السياسة المصرية إزاء السعودية يجب أن ترتكز على أربعة أعمدة: 


1. التحالف المصري السعودي ركيزة استراتيجية، وهدف في حد ذاته، في هذه المرحلة الحرجة. 
2. المشاركة الفعالة في القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما هو الحال في اليمن. 
3. تدوير الزوايا في المواقع التي قد تختلف فيها وجهات النظر، مع إعطاء أولوية لرأي الدولة التي تتهدد مصالحها بشكل أكبر. السعودية في حالة سوريا والعراق ومصر في حالة ليبيا.
4. إدراك تجاذبات الوضع الداخلي. سيساهم هذا في إزالة الحساسيات من الانتقاد الإعلامي. قطاع متنفذ داخل السعودية سلفي الهوى، ولا يعجبه خطاب السيسي عن تجديد الخطاب الديني. وقطاع داخل مصر يرى أن السعودية مسؤولة عن جزء  من البنية الفكرية للإرهاب. عادي. المصالح الاستراتيجية للدول لها الأولوية. 


بريطانيا وفرنسا وألمانيا ثلاث دول كبرى في أوروبا. تتعارض مصالحها وتتلاقى. لكنّها منذ الحرب العالمية الثانية قادرة على إدارة هذا الاختلاف بقدر كبير من المرونة، والمصارحة، والبحث عن نقاط التلاقي وتدعيمها.


مصر والسعودية يجب أن يتعلما الدرس. لا مصر تستطيع حاليا الاستغناء عن السعودية، ولا السعودية تستطيع - وإن بدا غير ذلك - الاستغناء عن مصر. الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والدولي يجعل مصر في حاجة ماسة إلى الدعم السعودي. بينما الوضع الإقليمي يجعل السعودية في حاجة ملحة إلى مصر. ما يحدث في اليمن ليس حربا، بل معركة، تقدمت فيها إيران بالفعل في أربع جولات. وقررت السعودية اللجوء إلى المواجهة الصريحة، ولكن متأخرة.


يجب أن تتفهم مصر ذلك. أن تتفهم التخوف السعودي الحقيقي من التمدد الإيراني. هذا تهديد مباشر وليس تهديدا مؤجلا. وبالتالي يجب أن نتفهم الحنق السعودي على روسيا، صديقة إيران، وصديقة بشار الأسد، وألا نعتبر ذلك موجها ضد مصر. روسيا دعمت إيران في مشروعها النووي، ودعمت بشار الأسد، الذي قاد الحرب الإيرانية ضد النفوذ السعودي في لبنان. أي أن روسيا - من وجهة نظر السعودية - تدخلت سياسيا بما يهدد الأمن القومي السعودي مباشرة. (روسيا حاربت في أوكرانيا بسبب تهديد أقل من هذا كثيرا بالقياس النسبي).


الموضوع، بالنسبة للسعودية، أضخم كثيرا من أن تغير سياستها فيه بسبب اختلاف في وجهات النظر، ولو مع أمريكا نفسها. الدعم الأمريكي غير المشروط للتحرك الذي تقوده السعودية في اليمن إشارة إلى تفهم أمريكا لهذا. السعودية بوجه عام لديها من القدرات ما يمكنها من الإصرار على أولوياتها الاستراتيجية، على المستوى العالمي وليس الإقليمي فقط. 


حدث هذا بعد هجمات 11 سبتمبر والضغط الأمريكي عليها. وحدث هذا لصالح مصر بعد 30 يونيو، حيث تولت السعودية دعم الملف المصري عالميا، لأنها اعتبرت دعم النظام الحالي، والاستقرار في مصر، إحدى الركائز الاستراتيجية في المرحلة الحالية من سياستها الخارجية. وبالتالي فمن الأفضل عدم إضاعة الوقت في محاولة تغيير موقف ما، أو سياسة ما، على هذا القدر من الأهمية لطرف حليف، بالتراشق أو بالهمز. بل بالدبلوماسية الهادئة البراجماتية، التي تسعى إلى الوصول إلى حلول إبداعية تحقق المصالح العليا، وتقدم خدمة هنا مقابل خدمة هناك. منفعة في العراق أمام منفعة في ليبيا. 


لماذا أبدو كمن يتحدث عن السعودية؟ أليس حريا بي أن أتحدث عن مصر ومصالحها؟ 


أنا أتحدث - بالفعل - عن مصر ومصالحها. ووجهة نظري أن مصلحة مصر الحالية، ومصلحة الاستقرار - العسكري - في المنطقة، في دعم السعودية، كما مصلحة السعودية في دعم مصر. وأرى من الأنسب أن يتحدث المشتغلون بالشأن السياسي من المصريين (الذين يوافقون على هذا الرأي) بما يشيع تفهم الموقف السعودي، ويتحدث السعوديون بما يشيع تفهم المواقف المصرية. فنكسر عادة التعصب السياسي. 


هذا يضعنا في موقف أفضل لكي نستطيع أن نقدم النصح للأصدقاء في السعودية بخصوص سوريا والعراق، كما قدموا لنا النصح بخصوص ليبيا. سنقول لهم إننا نتفهم تماما موقفهم مما يحدث في العراق وسوريا، وأهمية ذلك بالنسبة لأمن السعودية. لكننا نخشى أن يتورطوا في حرب استنزاف عالية الكلفة، قد لا تضر مصر مباشرة، بالعكس، قد تعظم الحاجة إلى دور مصري، فتفيدنا نسبيا، لكنها قد تضر السعودية فتضر المنطقة بأكملها وتدخلها في حالة من عدم الاستقرار. ثم يجب ألا نكتفي بهذا، بل أن نقدم بدائل سياسية وعسكرية، قابلة للتنفيذ، وناجعة، ومقدامة، لأن الوضع الحالي لن تصلحه إجراءات تسويفية. 


سنقول لهم إننا نخشى أيضا أن انهيار الوضع في سوريا بالذات ربما يدفع بالحرب إلى حدود مصر الشمالية. سنقول لهم إن احتمالا كهذا، في ظل الظروف الحالية في ليبيا، سيضع مصر في وضع صعب، لا يقل صعوبة عن الوضع السعودي حاليا، بل يزيد. سنحثهم على التفكير في الوضع الإقليمي ككل، وليس أجزاء. وسنطلب منهم أيضا أن يقدموا لنا بدائل ناجعة تهدئ المخاوف المصرية من ليبيا.


في هذه الأثناء ينبغي ألا تكتفي مصر بالحديث عن قوتها الثقافية، بل تمارسها وتعبر عنها إن كانت لا تزال موجودة. يجب أن تتحرك مصر سياسيا، إلى دعم القريبين منها من القوى العالمانية باختلاف طوائفها، في منطقة الهلال الشيعي. مصر تحتاج إلى تضخيم قيمتها السياسية بكل طريقة حتى تضمن الحفاظ على مصالحها في منطقة مهددة بمواجهات كبرى.