التوقيت الخميس، 02 مايو 2024
التوقيت 05:19 ص , بتوقيت القاهرة

السفينة "كليوباترا".. يوم اتحد العرب من المحيط إلى الخليج

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال كلمته في القمة العربية اليوم السبت، أنه لا مناص من توحيد الجهود لمواجهة المخاطر، ولا بد من العمل العربي العسكري المشترك، بعد القرار الذي وافق عليه وزراء الخارجية العرب.


وكان العالم العربي استيقظ في السادس والعشرين من مارس الجاري على تحالف عسكري عربي يقف بجوار اليمن في ازمتها مع الحوثيين.


في هذا التقرير نستحضر حادثة أسدلت عليها ستائر التاريخ حتى كادت أن تذهب في طي الكتمان "حادثة الباخرة كليوباترا"، كان بطلها أحد القوى العربية الناعمة "العمال العرب"، والتي تصاعدت فيها المد الوحدوي العربي عقب حرب السويس 1956م .


العمال العرب يقاطعون السفن الامريكية


"الليلة تبدأ معركة أخرى في الحرب الكبرى أطرافها: الأمة العربية ضد الصهيونية العالمية، ميدانها: نيويورك - الولايات المتحدة الأمريكية، وما لم تحدث معجزة في الساعات القليلة القادمة قبل أن يجيء منتصف الليل ، فإن المعركة محتمة، ونتائجها مما لا يمكن التنبؤ به"  كانت تلك الكلمات التي تعكس جوًّا مشوبًا بالتحدي قد كتبها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في جريدة الاهرام، في 29أبريل 1960م.



منتصف ليلة 29أبريل 1960م هو الموعد الذي حدد الاتحاد العربي للعمال العرب بمقاطعة السفن الأمريكية و الامتناع عن تموين وخدمة وإصلاح وشحن وتفريغ تلك السفن في سائر الموانيء العربية، وذلك بعد أن وجه الاتحاد العربي للعمال العرب إنذارا حاسما إلى الاتحاد الأمريكي لعمال الشحن والتفريغ بأنه إذا لم يصحح موقفه العدواني ضد الباخرة العربية "كيلوبترا" خلال أسبوع.


البداية:


لجأت إسرائيل إلى مجلس الأمن الدولي عام 1959 تشكو مصر لفرض سيادتها على معبر قناة السويس رغم أنه معبر دولي للملاحة البحرية، وعبر هذه السيادة لا تسمح لسفن إسرائيل بالمرور فى القناة.


بعدها رد جمال عبد الناصر في حديث للصحفي الهندي "كارانجيا"، بأنه حتى لو حصلت إسرائيل على قرار من مجلس الأمن بحقها في المرور من القناة، فإن مصر لن تنفذ، إلا إذا نفذت إسرائيل ما يخصها من قرارات الأمم المتحدة الخاص بالتقسيم والخاصة بحق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة لأراضيهم أو تعويضهم.


 وأرادت إسرائيل أن ترد على تصميم "عبد الناصر"، بعدم استخدام إسرائيل لمعبر القناة، فقررت المواجهة في أمريكا، وعبر علاقتها القوية مع اتحاد البحارة الأمريكيين.


اسرائيل تحرض عمال الشحن في أمريكا ضد العرب 



قاد رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت "بن جوريون" حملة سياسية ضد مصر ترتكز على أن لسفن إسرائيل الحق في عبور قناة السويس، وأن هذا المنع يضر كثيرا بمصلحة السفن الأمريكية.


 ودفعت إسرائيل اتحاد البحارة الأمريكيين إلى إصدار بيان يعلن فيه مقاطعة عمليات البواخر المصرية في الموانيء الأمريكية، وكان مخططها السري أن تمتد عملية المقاطعة إلى دول أوروبا الغربية واليابان.


 وتوقف عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك عن التعامل مع الباخرة كليوباترا منذ وصولها ميناء نيويورك .



 في يوم 19 إبريل 1960 دخلت الباخرة المصرية "كليوباترا" إلى ميناء نيويورك، تحمل شحنة من القطن المصري طويل التيلة مصدرة إلى أمريكا، ورفض عمال الميناء تفريغها تنفيذا للمقاطعة، وفشلت كل الجهود المصرية لدى الحكومة الأمريكية لفك الأزمة، وكما يقول الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الثلاثين سنة _ سنوات الغليان": "ظلت الباخرة كليوباترا أياما طويلة على رصيف ميناء نيويورك يحيط بها طابور من أعضاء اتحاد البحارة الأمريكيين لمنع الاقتراب إليها، حتى لا تلجأ القنصلية المصرية في نيويورك وهى المكلفة برعاية أمرها إلى أي ترتيبات أخرى لتفريغها بغير واسطة أعضاء اتحاد البحارة الأمريكيين.


العمال العرب أصحاب القرار


 ارتفعت حرارة القضية، بعد أن انتقلت كلمتها إلى العمال العرب الذين سجلوا فيها واحدة من معاركهم المجيدة في تاريخ النضال العربي، وفي "26 إبريل 1960" اجتمع اتحاد العمال العرب في القاهرة، برئاسة "سالم شيتا" وهو ليبى الجنسية، والأمين العام أسعد راجح وهو يمنى الجنسية، وقرر الاتحاد أن مقاطعة السفينة العربية "كليوباترا" عمل عدواني ضد الدول العربية كلها، وأن الموانيء العربية بما فيها الدول العربية غير الممثلة في الاتحاد ستقوم بتنفيذ قرار المقاطعة.



 وقررت النقابات العمالية مقاطعة البواخر الأمريكية في موانيء الجمهورية العربية المتحدة، وجرى تطبيقه في موانيء الإسكندرية وبورسعيد واللاذقية والسويس، وانضمت إليه موانيء بيروت وطرابلس والعقبة والكويت والرباط وبور سودان، وموانئ ليبيا وتونس واليمن والسعودية، بدرجة أصبحت معها المقاطعة العربية للبواخر الأمريكية شبه كامل.



 كانت الباخرة "انتربرايز" تقترب من ميناء الإسكندرية، وتم إبلاغها بأن العمال ينتظرونها على الرصيف وهم يحملون لافتات تقول: "لا ماء، لا وقود، لا طعام، لا شحن، لا تفريغ، لا خدمات من أى نوع للبواخر الأمريكية"، فغيرت وجهتها لكنها وقعت تحت قبضة العمال في ميناء بورسعيد، حيث كانت متجهة إلى الشرق الأقصى، وفي بيروت قاطع العمال باخرة "مولين فيكتوري"و"سانتا لوتشيا"، واضطرت باخرتان أخريتان إلى التراجع، وفي اللاذقية قاطع العمال الباخرة "مونتويك". 



ويبدو أن وطأة المقاطعة العربية كانت شديدة ، حيث أكد "ديلون" وكيل الخارجية الأمريكية، أنه مقابل كل سفينة عربية تتم مقاطعتها في الموانيء الأمريكية ، تتم مقاطعة ثلاثين سفينة أمريكية في المواني العربية من المحيط إلى الخليج. 
انتصرنا 



وفي يوم الجمعة 6مايو 1960م أصدر "بول هول" رئيس نقابة عمال البحر الأمريكيين أمرًا بإنهاء الحصار المفروض على الباخرة العربية كليوباترا ، وفي يوم الاثنين 9مايو انتهت الأزمة، وبدأت عملية تفريغ السفينة ، وفي المقابل أعلن اتحاد العمال العرب إنهاء مقاطعة السفن الأمريكية.



وهذا حقق انتصارا سياسيا ومعنويا ليس للجمهورية العربية المتحدة فحسب، وإنما للشعوب العربية التي وحدتها الأزمة، فكانت المقاطعة العربية للسفن الأمريكية نموذجا لما يمكن أن يمارسه العرب من ضغط على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، ولما يمكن أن تفعله وحدة العرب على صعيد السياسة الدولية.