التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 07:33 م , بتوقيت القاهرة

عذرا.. نفدت كربلائيتكم

تتشابه جماعات الإسلام السياسي إلى حد التطابق، مهما اختلفت طائفيا ومذهبيا ومناطقيا وعرقيا، ظل الإخوان المسلمون في مصر وسوريا وليبيا وتونس على مدى أعوام يتباكون بالمظلومية. كانت بعض الأنظمة السابقة تتعايش وتتعامل معهم كما في مصر، مرة بالشد وأخرى بالجذب، وتستخدمهم كفزاعة تخوف بها المجتمع والجماعات السياسية، وفي أوقات أخرى تتحالف معهم وتضرب بهم القوى السياسية الأخرى، وكثيرا ما تركت لهم ساحة المهام الاقتصادية والاجتماعية لتسد من خلالهم عجز وتقصير الدولة.


في نماذج أخرى كانت هذه الجماعة هي الجماعة المحرمة، كما في سوريا وليبيا وتونس، وفي الحالتين لم يختلف موقف الجماعة، سواء تعايشت معهم الأنظمة نسبيا أو حظرتهم كليا، كان شعارهم المظلومية والتباكي والعمل السري وعشق الظلام، وفي الحالتين أيضا كان الموقف الإنساني والحقوقي دائما إلى جانبهم داعما لحقهم وحريتهم كمواطنين وكقوى سياسية.


وصل الإخوان للسلطة فسقطت الأقنعة من مصر لتونس لليبيا، ربما تبقى اليمن استثناءً في ذلك، حيث كان الإخوان لمدة طويلة شركاء السلطة في الحكم، في السلم وفي الحرب، لم يدب الخلاف بينهم إلا مؤخرا، وهو خلاف حول المصالح واقتسام السلطة والثروة والمكتسبات لا خلاف أيديولوجي أو سياسي محض.


كشف وصولهم للسلطة عن الوجه الآخر الذي لم يكن يعرفه الغالبية عن الجماعة، بل حتى قبل ذلك، قبل وصولهم للسلطة، بمجرد أن رأوا أنهم القوة السياسية المنظمة الوحيدة المهيأة للحكم، كشروا عن أنيابهم بالرغبة في احتكار السلطة والاستئساد والتعالي على الآخرين، على حلفائهم قبل خصومهم، تجلى ذلك في أبسط الأمور، في نبرة أصواتهم، طريقة تعاطيهم مع الآخرين ومع الأحداث.


وصلوا للسلطة فسمعنا عن عروضهم للشراكة ومد اليد للآخرين للتعاون والتعاطي معهم، صحيح البعض كان لديه موقف ممانع من التعاطي معهم بشكل مطلق، لكن الكثير غيرهم كانوا يراهنون على الجماعة ويتوسمون فيها الخير، وقبلوا التعاون معهم والدخول في الشراكة، ويوما بعد يوم تناقص مؤيدوهم والمؤمنون بهم، ليس فقط لتكشُّف غياب الرؤية للمستقبل ومشروع بناء الدولة، بل الأهم أن جميع من تعامل معهم وصل لقناعة أنهم لا يؤمنون بالشراكة ولا بالتعاون مع سواهم، وبأنهم يؤمنون فقط بالإقصاء والتهميش، وأن كل ما يقال مجرد شعارات للاستهلاك، أما وقت الممارسة الفعلية فلا يجد كل من يتعاون معهم إلا التهميش.


احتشد الجميع ضدهم، وسقطوا بالثورة كما في مصر، أو عبر الصناديق كما في تونس وليبيا.


وفي جنوب الوطن العربي، في أرض العروبة اليمن كان هناك نموذج أيضا للجماعة وصل للسلطة بالمشاركة مع أحزاب أخرى، تحت مظلة اللقاء المشترك، وصل التكتل للسلطة عبر المبادرة الخليجية، لم تكن الجماعة وحدها كان لها بالتعاون مع الأحزاب الأخرى نصف الحكومة فقط، بينما النصف الآخر كان من نصيب النظام السابق، لكن ما لبثوا أن خسروا حلفاءهم في التكتل حزبا وراء الآخر، بنفس منطق التعالي والرغبة في الاحتكار، وتهميش وإقصاء الآخرين، خسروا كل حلفائهم، وكانت الأرض ممهدة هاهنا للتعاون مع الشيطان للخلاص منهم.


 لم يأت الشيطان، لكن جاءت جماعة الحوثي.


جماعة الحوثي، أو أنصار الله كما هو اسمهم السياسي، جماعة إسلام سياسي لطالما شكت هي أيضا من التهميش والإقصاء وبكت المظلومية كثيرا، كما غريمتها، ولطالما تحالف الحقوقيون والصحفيون وأنصار الحريات مع مظلوميتهم، اجتاحوا العاصمة، تحدثوا بلغة القوة، سيطروا على مؤسسات الدولة، استمروا في بغيهم وتمددهم وكسر شوكة خصومهم، وملاحقة مناوئيهم والثأر منهم، غلبوا منطق الثأر والانتقام والسلاح والقوة.


دان لهم الجميع بسلطة الأمر الواقع، حتى الجماعة الإخوانية التي تعرّضت للملاحقة والانتقام والتقتيل والنهب من قبلهم، ببراجماتية الإخوان المعهودة، ذهبوا إليهم في عقر دارهم في "صعدة"، مدوا إليهم يد التصالح والتسامح، وقدموا فروض الولاء والطاعة،  لم ينتظر الحوثيون أن يجف الحبر على الورق، وعادوا لملاحقة الإخوان وتعمد إذلالهم.


أنصار الله الذين لطالما تغنوا بالمظلومية وعاشوا على أنقاض بكاء المحرقة والكربلائية، أصبح لهم وجه مختلف ولسان مغاير، يتحدثون عن الشراكة والتسامح، فيذلون شركاءهم ويُقصون كل القوى السياسية الأخرى، يٌنكلون بالنشطاء، يعتقلون الصحفيين، يقيدون الحريات، يسحبون مكتسبات ثورة فبراير من حق التظاهر السلمي والاعتراض.


وعلى صعيد آخر تكشف كما تكشف حال الجماعة الأخرى، بأنهم يفتقدون أي مشروع أو رؤية لبناء الدولة.


وكما ارتهنت جماعة الإخوان لسلطة الجماعة الدولية متجاوزة حدود الأمن الوطني لبلدانهم، كذلك كان الحوثيون سهما في جراب المشروع الإيراني في المنطقة.


فشلوا وسقطوا كما سقط أسلافهم ولم يتعظوا، ظنوا أنهم أقوى وأذكى وأقدر، مع بدء عملية "عاصفة الحزم" ضدهم، عادوا ليتباكوا كما تباكى الذين من قبلهم، ويستدعون المظلومية كما استدعتها الجماعة بعد ثورة 30 يونيو، تشدقوا بأن الكون كله يتآمر ضدهم.


تمسكت جماعة الإخوان بما يسمونه" شرعية الانتخابات" والتفوا حول مبكى ما يسمونه "بمحرقة رابعة"، والحوثيون اليوم يستبدلون الشرعية "بمبدأ السيادة الوطنية والكرامة"، ويتمسكون بـ" الشرعية الثورية"، وعوضا عن "أربعة الإخوان" الصفر قد يقيمون نصبا بحجم جبروتهم للضحايا المفترضين.


احتراما للحظة لن أتوقف كثيرا عند ترحيب الإخوان في اليمن بعملية "عاصفة الحزم" التي تشمل مصر السيسي وحلفاء دعم ثورة 30 يونيو، فقط لأنهم يرون أن العملية قد تصب في مصلحتهم غضوا الطرف وتناسوا،  فهذه خصلة يعلمها القاصي والداني عنهم.


الآن ستستنكر كلتا الجماعتين هذا التشبيه، كل جماعة ستطرب بالوصف الذي أوردته لغريمتها، وستقول: "نعم نعم هم كذلك"، لكن سيجن جنونها حين تقرأ وصفها والتشبيه، وستفتح الملفات وتكذب وتثبت وتنفي، وسيصبون جمَّ قرفهم، اعتدنا هذا ليقولوا ما يشاؤون، كلتاهما نفدت مظلوميتها، لم يعد تباكيهم يخدعنا، ولم نعد نؤمن بأن لدى أي منهما مشروع وطني، تتشابهون حد التطابق، وكفى.