التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 01:07 م , بتوقيت القاهرة

فين أيام باسم يوسف؟

إذا كنت مثلي لديك الوقت وشاهدت حلقات قديمة للمذيع الساخر باسم يوسف، فأنت أولا لا شك محظوظ، والسبب أنه بالفعل موهوب، وأنه بالفعل نَحَتَ مسارا مختلفا للبرامج التليفزيونية، الأساس فيها المتعة والبهجة والسخرية، وبالطبع تتضمن رسالة يمكنك أن تختلف أو تتفق معها.. لكن لا  أظن أن هذا سيغير من مُتعتك شيئا. 

ثانيًا أنك في الغالب سوف تحزن مثلي لأن باسم تمت الإطاحة به وملاحقته من قناة إلى أخرى حتى يختفي إلى الأبد. سبب الحزن ليس محبتي لموهبته الفذّة هو وفريقه فقط، ولكن لأن من حقه كما من حق غيره أن يكون موجودا ويعبر عن نفسه بالطريقة التي تعجبه. ودعني أقول لك إنه من حقه، كما من حق غيره أن يكون ضد الرئيس السيسي ومن حقه ومن حق غيره أن يسخر كما يشاء. فهذه حقوق بديهية من المؤسف أنها تحتاج إلى نقاش للتأكيد عليها. 

الأمر الثالث أن اختفاء باسم لم يرفع مستوى الإعلام والصحافة كما كانوا يبررون وقتها لذبحه. بل زاد الأمر انحطاطا. أصبح عاديا جدا أن تسمع وترى شتائم لكل خلق الله بما فيها شتيمة المواطنين المصريين والشخط و"النطر" في الشعب اللي مش عايز يفهم ويتعلم. وتحريض بالقتل، بل وتهديدات علنية من مذيع إلى آخر أو إلى سياسي بفتح الملفات القديمة. ومذيعون آخرون يحرضون بالقتل ضد خصوم سياسيين، بل وتحريض بالقتل العلني خارج نطاق القانون وغيره وغيره.

هذا الانحطاط وصل إلى الخارج. فاذا إراد من يحكموا أن يوصلوا رسالة إلى حاكم ما، فيطلقون عليه مذيعا أو أكثر يشتمونه بالأب والأم، ويهددونه بأنه إذا لم يرضخ  فسوف يفعلون كذا وكيت. أو أنهم سوف "يتحالفون مع إيران". إنه الانحطاط المروع الذي سمم المناخ العام في الداخل والخارج.  

الأمر الرابع هو أنه أصبح لدينا صحافة وإعلام 99% منه تذكرك بصحافة وإعلام الستينات. صحافة وإعلام الحشد والتعبئة وراء الزعيم المُلهم. صحافة وإعلام يتحرك في أغلبها في المساء بناءً على أوامر الصباح. 

الأمر الخامس هو أن من يطالبون بذبح باسم قالوا إنهم لا يريدونه أن يُعطل النهضة الكبرى القادمة مع الرئيس السيسي. وقال كثيرٌ من زملائنا المذيعين "مش وقتك يا باسم". وهو ما يعني أن دوره انتهى، فقد كانوا فرحين هم ومن يعملون معهم وأجهزة الدولة بأنه ضد الإخوان. وها قد ذهب الإخوان، فمن الأفضل أن تذهب معهم إلى الجحيم، لأنهم يعرفون طبعا أنه لن يتلقى الأوامر الصباحية. وها قد اختفى باسم ، فهل تحسنت أحوال البلد؟

الحقيقة لا، بل ازدادات سوءًا. بل ودعني أكون أكثر صراحة وأقول لك إنها أكثر سوءًا مما كانت عليه في كل العهود السابقة بما فيها عهد الإخوان.

ماذا يعني هذا؟ 
يعني بوضوح أن اختفاء باسم واختفاء كل معارضي النظام الحالي بالمنع والسجن لم يُحسّن البلد، ولم يحسن الاقتصاد ولا غير الاقتصاد، بل ازداد انهيارا. فمن المستحيل أن تبني نهضة بلد بالقمع والاستبداد.إلا إذا كان هذا البلد يملك الموارد التي تمول هذا الاستبداد مثل البترول، ففي هذه الحالة يُمكن للديكتاتور أن يطمئن أنه باقٍ إلى ما شاء الله. أما في حالة مصر فلا يوجد لدى الرئيس السيسي ومن يناصرونه أي مصادر لتمويل مشروعهم الديكتاتوري. وكما تعرف فالهبات القادمة من هنا وهناك ستنتهي عاجلاً .

هل المعارضة مفيدة؟ 
نعم، بل وضرورية، بما فيها حتى التجاوزات، وهي التي تتسامح معها الأنظمة الديمقراطية المحترمة. فهي لا تسمح فقط بالمعارضة، بل تسمح بالشطط فيها. لأنها ومهما كانت أضرارها فالقمع والاستبداد هما اللذان يدمران البلدان. لا أظنك تحتاج إلى أدلة، انظر حولك في العالم، وستجد أن الدول الناجحة المستقرة هي التي اختارت شعوبها الديمقراطية بتجاوزاتها وشططها. لذلك فهي بلدان قوية وناجحة. 

فالمعارضة تعني إثراء النقاش العام حول مختلف قضايا المجتمع، وهذا يطور الآراء والأفكار والخطط، ويخلق أغلبية حقيقية حاضنة للأسس التي يتم عليها بناء الدولة.أما الديكتاتورية فهي التي تُفتت وتقسم البلدان. ولا أظن الأمر يحتاج إلى دليل، انظر حولك في العراق وسوريا وليبيا، فما يحدث فيها سببه الديكتاتورية وليس الحرية.

هل المعارضة مفيدة للسيسي؟ 
أعتقد أنها طوق النجاة له. فسوف تمكنه من أن يرى عيوب والمسالب الخطيرة في طريقة إدارته هو ورجاله للدولة، وهذا يمكنه من التغيير والتطوير لصالح البلد.

لذلك لن ينجح السيسي ومن معه، إلا بعودة باسم يوسف وبلال فضل وغيرهم وغيرهم من المعارضين إلى التواجد والتأثير. ولن ينجح إلا بالإفراج عن كل معارضيه من مختلف التيارات، بما فيها الإخوان وحلفاؤهم، المحكوم عليهم بقوانين جائرة. بعبارة واحدة، لن ينجح السيسي إلا إذا أصبحت مصر بلدا حرا ديمقراطيا. 

هل يفعل؟ 
يارب.