التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 05:01 م , بتوقيت القاهرة

السيسي: "شوف مصلحتك يا أفندي"

السياسة تبدأ بالجغرافيا، أي حديث عن السياسة لا يبدأ من الخريطة لا ينتهي إلى شيء.


مصر:


تحدها غزة وإسرائيل من جهة، البحر فالسعودية من جهة، السودان فإثيوبيا من جهة، وليبيا من جهة.


مصر "الإخوان المسلمون":


علاقات جيدة جدا مع حماس 
لا مشاكل مع ليبيا
علاقات متوترة مع السعودية
علاقات مؤهلة للتوتر بشكل خطير مع إثيوبيا


المحصلة: ..؟


مصر "السيسي":


تأمين للحدود مع حماس
إجراء عسكري ضد إرهابيي ليبيا
علاقات جيدة جدا مع السعودية
علاقات تتحسن مع إثيوبيا. 


المحصلة: ..؟


هل أقارن إدارة الحكم الحالية بالإخوان؟ لا. 


أريد أن أقول إن الدولة، نفس الدولة، نفس الشعب، نفس الجغرافيا، قد تتوجه توجهات متباينة جدا لأسباب كثيرة، رأيناها وقرأنا عنها عبر التاريخ. أسوأ هذه الأسباب هي الأسباب العقائدية. لماذا؟


لقد قدمت المثال السابق مفصلا إلى عناصر بسيطة، بسيطة جدا، لكي أوضح هذا. لكي أوضح كيف أن العقيدة حين تتداخل مع السياسة تتلفها. تجعل البشر يؤذون أنفسهم بأنفسهم، وبطريقة تستطيع طفلة صغيرة أن تكتشف عوارها، دون الحاجة إلى فهم مزيد من التعقيدات. تستطيع طفلة صغيرة أن تسأل نفسها: ما أفق الحزمة الأولى من العلاقات؟ وما أفق الحزمة الثانية من العلاقات؟ 


كيف أبني سيناريو مقنعا لمآل كل من الحزمتين؟ حيث كل علاقة من العلاقات السياسية المشار إليها تقود إلى تبعات وعواقب. كيف يمكن أن أروج لسيناريو علاقات فاشل كالذي اختاره الإخوان؟ لا يمكن بغير عقيدة تتولى التفكير في السياسة بالنيابة عنا، ثم تملي علينا. 


هذه مشكلة السياسة مع المجتمعات المدعية التي تصدق ادعاءاتها. السياسة لا تصدق الادعاءات. السياسة تترك الأمم تسير خلف ادعاءاتها حتى تورد نفسها المهالك.


لكن ما أقصده بالعقيدة لا يقتصر على العقيدة الدينية فقط، بل إن العقائد السياسية نفسها صارت موضة قديمة، ومركب فشل في أي إدارة سياسية تنطلق من كل فعل لديها بدافع "أيديولوجي" بحت. كل السياسات في العالم حاليا، بغض النظر عن توجه الأحزاب التي فرضتها، عبارة عن نتاج لأكثر من عقيدة سياسية، وأكثر من منهل في التفكير السياسي. إنما المجتمعات العقيدية كمجتمعاتنا غير قادرة على استيعاب هذه الحقيقة البسيطة، رغم أن ذكرى الفشل حديثة وطازجة. 


نجد تيارات سياسية تقدم نفسها على أنها "أملنا السياسي" لكنها ليست أكثر من تيارات "حفّاظ" بلا فهم. يلجأون إلى الإجراء السياسي المدون في الفصل الرابع من كتاب سنة خامسة. لم ينم تفكيرهم النقدي ولا تعودوا على بناء الحجة السياسية، ثم مناقشتها، والدفاع عنها واكتشاف أخطائها. لا. مجرد "شلق سياسي"، لا أجد له تفسيرا سوى جملة قرأتها اليوم على فيسبوك. "كلما ازدادت الأفكار هشاشة ازداد معتنقوها إجراما في الدفاع عنها".  جوستاف لوبون.


البراجماتية السياسية تحرم الإجراء السياسي من لقب "فرض" و"واجب". البراجماتية السياسية تركز على المادي الملموس. البراجماتية السياسية تحاكي - ولكن في زمن مكثف - عملية تكون الأخلاق في مجتمع "حر". قياس عواقب سلوك على مدى زمني معين، وبالتالي تحديد إن كان نافعا أو ضارا. إن كان نافعا تبنيناه كقيمة، وإن كان ضارا ذممناه. هكذا كونّا أفكارنا عن القتل والحب والإخاء والسرقة. خدعوك من أفهموك عكس ذلك. ويخدعك من يقنعك أن السياسة تسير على نهج غير ذلك. لقد أضررنا بأنفسنا كثيرا على مدى قرون وقرون، حان الوقت لكي "نشوف مصلحتنا". 


اقرأ أيضا