التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 10:35 ص , بتوقيت القاهرة

مصر تمد جسورا جديدة لتوطيد العلاقات مع السودان وإثيوبيا

بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم /الاثنين/ زيارته الأفريقية التى تستغرق يومين إلى كل من السودان وأثيوبيا ، والتى تهدف إلى تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية مع الدولتين ، وبحث أبرز القضايا محل الاهتمام المشترك ، ومناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية على رأسها الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين.
ومن المقرر أن يلتقى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى العاصمة السودانية الخرطوم ، والرئيس السوداني عمر البشير لبحث سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية و مناقشة القضايا الإقليمة و الدولية ، كما ستشهد الخرطوم قمة ثلاثية لرؤساء كل من مصر والسودان وإثيوبيا للتوقيع على اتفاقية سد النهضة الإثيوبي والدفع بالتعاون والعمل المشترك وفق تبادل المنافع دون ضرر ، ويعتبر ذلك ومؤشرًا إيجابيًا للعمل المشترك بين دول حوض النيل.
وبعد انتهاء زيارته للسودان سينطلق الرئيس السيسى للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا ، فى زيارة تستمر يومين يلتقي خلالها مع رئيس الوزراء الإثيوبي هيلا مريام ديسالين ، وعدد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الإثيوبيين.
ويبحث السيسى مع رئيس وزراء إثيوبيا سبل تطوير العلاقات الثنائية وعددا من القضايا الإفريقية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها ملف مياه النيل ، ومن المقرر أن يلقي الرئيس خطابا أمام البرلمان الإثيوبي يتحدث فيه عن العلاقات المصرية الإثيوبية والتحديات التي تواجه دول المنطقة في التنمية ، ويؤكد على ضرورة التعاون بين القاهرة وأديس أبابا لتحقيق تطلعات الشعبين المصري والإثيوبي.
وتعتبر وثيقة "المبادئ" التي سيوقع عليها رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا هى اتفاق بينهم تنص علي أن تلتزم الدول الثلاث بتوصيات المكتب الاستشاري المنفذ لدراسات سد النهضة أيا كانت ، وتشدد علي أن الجانب الاثيوبي سيلتزم بموجب وثيقة مباديء سد النهضة بتعديل مواصفات السد حال ثبوت وقوع ضرر بمصر في تقرير المكتب الاستشاري ، كما أن توقيع الاتفاق يعنى عمليا تجاوز كل التحفظات المتعلقة بالسد ، لأن مسألة الأمن المائى تعتبر من المسائل الإقليمية الحساسة ، كما أن السد سيوفر فوائد اقتصادية واجتماعية ، وطاقة كهربائية كبيرة للدول الثلاث وتقليل للطمي وتنظيم منسوب النيل وتقليل الفيضانات في فصل الخريف.
وتنص الوثيقة على ضمان حقوق دول المصب في نهر النيل وعدم تأثرها ببناء السد الذي تقيمه إثيوبيا ، وأن المبادئ الحاكمة والضمانات والحفاظ على المصالح ، وتحقيق المكاسب المشتركة هي أهم ما يميز الوثيقة ، والمرحلة القادمة سوف تبرهن على القدرة على ترجمة تلك المبادئ إلى آليات وأطر عملية تضمن تحقيق المكاسب المشتركة للجميع.
وتعتبر زيارة الرئيس لإثيوبيا تاريخية حيث إن هذه أول زيارة رسمية منذ 30 عاما يقوم بها رئيس مصري لإثيوبيا تهدف إلى دفع العلاقات المشتركة بين البلدين للمرة الأولى منذ الستينيات دون أن يكون هدف الزيارة هو المشاركة في أى من القمم الإفريقية التى تعقد فى إثيوبيا.
وتشهد العلاقات المصرية الإثيوبية تقدما ملحوظاً الجوانب الاقتصادية والاستثمارية وتزايد تدفق رجال الأعمال بين البلدين وزيادة حجم الاستثمارات ، حيث شهدت ارتفاعا ملحوظا فى تلك الفترة ، وارتفعت من 600 مليون دولار إلى 2 مليار دولار ، وتتركز مشروعاتها فى قطاعات الكابلات الكابلات الكهربائية وإنتاج البلاستيك و المواسير والزراعة وإنتاج اللحوم ، وأرتفع عدد الشركات المصرية فى أثيوبيا من 34 إلى نحو 137 شركة ، كما أن عدد المشروعات الاستثمارية المصرية فى أثيوبيا بلغت 72 مشروعا استثماريا برأسمال مصرى بالكامل وبشراكة من الأثيوبيين ، وقد تنوعت مجالات الاستثمارات فى أثيوبيا للمصريين فى المجالات الزراعية والانتاج الحيوانى والصناعية والسياحية والعقارية وإنتاج أعلاف الحيوانات والتربية التسمين للعجول والماشية للتصدير والمجازر الآلية ، حيث أن السوق الأثيوبى متسع وبه فرص متاحة لعقد صفقات تجارية و استثمارية بين البلدين ، بالأضافة إلى مبادرة وزير الصناعة والتجارة منير فخرى عبد النور من دعم للمشروعات لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنحو 500 مليون دولار خلال الثلاث سنوات المقبلة ، حيث أن مصر تسعى للوصول إلى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى يرقى بحجم العلاقات بين الدولتين الكبيرتين. 
ومن المنتظر أيضا خلال الزيارة إعلان إقامة منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا ، كما يلتقي الرئيس بمجتمع الأعمال المصري والإثيوبي ، ويفتتح منتدي مشتركا للأعمال ، ويزور مجموعة من المشروعات المصرية في إثيوبيا.
وتعتبر العلاقات التاريخية بين البلدين هى من العلاقات التى لها تاريخ طويل يمتد منذ الحضارة المصرية القديمة ، فضلا عن الترابط بين الكنيسة المصرية والإثيوبية ، والروابط الوثيقة التي تربط بين مسلمي أثيوبيا والجامع الأزهر الشريف ، حيث أن هناك رواقًا خاصًا يضم الطلبة الإثيوبيين يسمى برواق الجبرتة ، ونبغ منه جهابذة العلماء ومنهم المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي صاحب كتاب التاريخ المشهور ، كما أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تمتد لنحو 87 عاما.
أما بالنسبة للدولة السودان الشقيق فقد شهدت العلاقات السودانية المصرية تقدماً خلال الفترة الماضية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة البلاد توجت بزيارة الرئيس عمر البشير لمصر فى أكتوبر الماضى ، ووجوده ودعمه لمصر بحضوره المؤتمر الأقتصادى الداعم للأقتصاد المصرى الاسبوع الماضى .
وقد شهدت العلاقات تقدما فى الجوانب الاقتصادية والاستثمارية وتزايد تدفق رجال الأعمال بين البلدين الأمر الذي نتجت عنه زيادة حجم التبادل التجاري ، وضاعف عدد الشركات المصرية في السودان والعكس؛ فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 839 مليون دولار حيث تحتل مصر المرتبة الثالثة بعد الصين و الامارات في التصدير للسودان ، ويتم استيراد الآلات و المعدات والمنتجات الكيماوية ووسائل النقل والمنسوجات من مصر ، في حين يتم تصدير الحيوانات الحية واللحوم و الفول السوداني والجلود .
كما أن الحكومتين السودانية والمصرية تسعى مؤخرًا لتفعيل جانب التبادل التجاري بين البلدين بتكوين لجنة لفتح المعابر بين البلدين والذي اعتبره الشعبان حدثًا اقتصاديًا هامًا ونقطة فارقة في تاريخ العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين الشقيقين ، والذي سيؤدى بدوره إلى انعاش حركة التجارة الحدودية وانسياب البضائع بين البلدين وبالتالي انتعاش المنطقة اقتصادياً ، إضافة الى أن افتتاح المعبر الحدودي بين مصر والسودان سيساهم في إحداث نقلة كبيرة في حركة التجارة والاستثمار بين البلدين ، إضافة الى وجود سوق حرة جديدة تعمل على تنمية حركة الصادرات والواردات للبضائع والثروة الحيوانية، وتنشيط حركة المسافرين والبضائع بين شطري وادي النيل بالبلدين .
وتحظى السودان بأهمية خاصة فى العقل الرسمى المصرى فقد كانت السياسة المصرية تجاه السودان من أقدم السياسات الخارجية التى رسمها حكام مصر خلال العصر الحديث حيث تعود جذور الإدراك المصرى لأهمية السودان الإستراتيجية فى العصر الحديث إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر منذ أن بدأ محمد على والى مصر فى بناء الدولة ، وفى عام 1820 تقدمت جيوش الدولة المصرية لأول مرة لتقوم بلملمة أطراف المناطق الواقعة جنوبها ،ممثلة فى سلطنات وممالك وقبائل السودان لتصنع من كل هذا كيانا إداريا وسياسيا واحدا ، وهو الذى اصطلح على تسميته بالسودان.
فالحدود المصرية السودانية تمتد نحو 1273كم ،ويمثل السودان العمق الإستراتيجى الجنوبى لمصر ، لذا فإن أمن السودان واستقراره يمثلان جزءًا من الأمن القومى المصرى ، ومن هنا تبرز أهمية السياسة المصرية تجاه السودان للحفاظ على وحدته واستقراره وتماسكه من ناحية وفي تعزيز علاقات التكامل بين الجانبين من ناحية أخرى ، ومن الملاحَظ أن الدولتين حريصتان على تقوية ودعم العلاقات بينهما فى شتى المجالات ، فالسودان يعد الدولة الوحيدة التى لديها قنصلية فى محافظة أسوان مما يدل على نمو حجم التبادل التجارى حيث أن حركة التبادل بين أسوان ووادي حلفا قد بلغت نسبة الصادرات خلال الفترة من يناير 2013 وحتى الآن 12.7 ألف طن من المنتجات المختلفة ، في حين بلغت نسبة الواردات من حلفا إلى أسوان خلال نفس الفترة 23.4 طنًا ، وتلك القنصلية لا يتوقف دورها عند تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين بل يمتد هذا الدور ليشمل العلاقات فى المجالات المختلفة الثقافية والسياسية.
ويشكل السودان أهمية خاصة بالنسبة لمصر فيما يتعلق بموضوع المياه ونهر النيل حيث إنها ملتقي روافد نهر النيل القادمة من اثيوبيا عبر النيلين الأبيض والأزرق لتعبره في اتجاه مصر ، وقد حظيت العلاقة المائية بين البلدين باهتمام خاص لاعتبارات الجغرافيا والتاريخ والدين واللغة والمصاهرة‏ ، فضلا عن الموقع السياسي للسودان بالنسبة لمصر ، وقد التزمت الدولتان بكل بنود التعاون طبقا لما أقرته اتفاقات‏ 1959 ، 1929‏ بتنظيم استغلال مياه نهر النيل بما يحقق صالح كل من مصر والسودان في حدود الحصص المقررة لكل دولة‏.‏
كما حرصت كل من مصر والسودان على التنسيق المائي فيما بينهما وقد انعكس ذلك علي ترابط الدولتين خلال الأزمة التي نشأت خلال عام 2009 حول الاتفاق الإطاري للتعاون القانوني والمؤسسي لاتفاقية حوض النيل لإعادة تقسيم المياه ، وإنشاء مفوضية دول حوض النيل ، والذي أعدته دول المنبع ورفضت مصر التوقيع عليه ، مستندة إلى المطالبة بالمحافظة على الحقوق التاريخية والامتيازات القانونية الخاصة بحصة مصر والإخطار المسبق.