التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 04:23 ص , بتوقيت القاهرة

هل استفاد "داعش" من مواقف الأزهر؟

في الوقت الذى انطلقت فيه حملة هجوم ضد مؤسسة الأزهر الشريف، ضد مناهجها، وأفكارها، وعلمائها، بعد أحداث الإرهاب التي شهدتها جامعة الأزهر ومدنها الجامعية، وظهور متطرفين ومدانين في عمليات إرهاب مثل مفتي جماعة الإخوان الشيخ عبد الرحمن البر، والشيخ يوسف القرضاوي الذى اعتبرت بعض الدول العربية اتحاده منظمة إرهابية.


وفي الوقت الذى يضرب الإرهاب الوطن العربي والإسلامي، وظهور تنظيم "داعش" كأكبر تنظيم مسلح في المنطقة، انتظر كثيرون موقفًا قويا من الأزهر الشريف للرد على هذا التنظيم وتبيين أفكاره وفضحها، فكيف تعامل الأزهر معه؟


ليسوا كفارا:


بمجرد أن ألمح مفتي نيجيريا إلى تكفير داعش في مؤتمر "الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب" في ديسمبر الماضي، خرج بيان الأزهر سريعا ليؤكد أن حضور المؤتمر من العلماء يعلمون يقينا أنهم لا يستطيعون أن يحكموا على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته، بل من المقرر في أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الذنوب مهما بلغت لا يخرج ارتكابها العبد من الإسلام.


وأشار بيان الأزهر وقتها إلى أن المؤتمر في الأساس عقد لمواجهة فكرة تكفير الآخر وإخراجه من الملة، مشيرا إلى أنه لو حكمنا بكفر داعش لصرنا مثلهم ووقعنا في فتنة التكفير، وهو ما لا يمكن لمنهج الأزهر الوسطي المعتدل أن يقبله بحال.


واعتبر الشيخ محمد عبد الله نصر، أن داعش هو مشروع تخرج وثمرة مناهج الأزهر، ولذلك لم يكفره الأزهر.

اصلبوهم:


بعد حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، في مطلع فبراير الماضي، على يد تنظيم داعش، أكد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الدكتور محيي الدين عفيفي، أن سيدنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، لم يقتل أحدا بالحرق كما استندت "داعش" في فتواها لقتل الطيار الأردني حرقا، واصفا هذه الرواية بالباطلة.


والجدير بالذكر أن فتوى داعش نفسها لم تتهم أبى بكر الصديق بذلك، بل حذفت السطر الخاص به ووضعت مكانه (....)، ولكنها اتهمت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسمل الأعين بالنار، وخالد بن الوليد بحرق بعض أهل الردة. ولكن الأزهر لم يدافع عنهما، واكتفى بالتشكيك في رواية لم تستند عليها داعش أصلا، ففتح الباب أمام تصديق كلامهم.


وخرج شيخ الأزهر بعدها ليستنكر هذه الحادثة، ويؤكد أن ممارسة داعش مع الطيار الأردنى تستوجب العقوبة التي أوردها القرآن الكريم لهؤلاء البغاة المفسدين في الأرض، الذين يحاربون الله ورسوله، بأن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.


وهاجم البعض الأزهر, لاعتباره واجه الحرق بالصلب، وعلق الكاتب الصحفي، إبراهيم عيسى، أن  ما يقوله الأزهر هو ما يقوله داعش.




لا تشاهدوهم:


بعد ذبح المصريين على يد داعش ليبيا، أصدر الأزهر الشريف فتوى بحرمة النظر إلى الفيديوهات المروعة، التي ينشرها تنظيم داعش، كما تضمنت الفتوى حرمة ترويج تلك الفيديوهات.وطالب الأزهر، في بيانه فى منتصف فبراير الماضي وسائل الإعلام بعدم نشر فظائع الجرائم المنكرة التي يرتكبها داعش، لما يشكِّله ذلك من إيلامٍ للمشاعر الإنسانية.


وهو أسلوب فتح باب الإقبال على ما يصدره التنظيم من فيديوهات وأناشيد، على نهج "الممنوع مرغوب"، فبدأ بعدها انتشار نشيد "صليل الصوارم"، واستخدامه والسخرية منه فى الأغانى الشعبية، ووصل الأمر إلى تقليد أساليب داعش فى الحرق، فى أحد الأفراح بمحافظة المنوفية خلال الشهر الجاري.

حرق السجائر


بعد أن نشرت الصحف المصرية صورا لعدد من علماء الأزهر المشاركين في مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الـ24، في بداية مارس الجاري، وهم يدخنون السجائر، خلال إحدى فاعليات المؤتمر، سخر عدد من مقاتلي تنظيم "داعش"، من نشر وسائل الإعلام المصرية، صورا لعلماء الأزهر، وهم يدخنون السجائر، وقال أحد المقاتلين في التنظيم، الذي يستخدم حساب إلكتروني عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، يحمل اسم "الشؤون السنية"، والذي يهتم بنشر أخبار وبيانات التنظيم: "علماء الأزهر يدخنون السجائر التي يحرقها تنظيم الدولة الإسلامية". 


واستغل التنظيم هذه الحادثة، ليظهر أنه يطبق شرع الله، من وجهة نظره، في الوقت الذى يخالفه علماء الأزهر.



محاربة خصوم داعش


في الوقت الذى يحارب الجيش العراقي - ترافقه قوات الحشد الشعبي الشيعية- تنظيم داعش، وتحقيق نجاحات في الموصل في محاولة لإخلائها من التنظيم، تراجع أبو بكر البغدادي خليفة داعش، وأعلن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاالبه بالانسحاب من الموصل، كنوع من حفظ ماء الوجه بعد الهزيمة.


وخرج الأزهر ببيان منذ أيام اتهم فيه من أسماهم بـ"مليشيات الحشد الشعبي" بأنها شيعية متحالفة مع الجيش العراقي وتقوم بالذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين مسالمين، لا ينتمون إلى داعش أو غيرها من التنظيمات الإرهابية.


وأكد الأزهر، في بيانه، أن هذه المليشيات التي وصفها بالمتطرفة ترتكب جرائم بربرية نكراء في مناطق السنة من تهجير وقتل ومجازر بحق المدنيين السنة، وحرق مساجدهم، وقتل أطفالهم ونسائهم بدعوى محاربة تنظيم داعش.


وأوقع هذا البيان بين الأطراف المحاربة لداعش، وبدأ البعض ينظر للأمر باعتباره صراعًا طائفيا، وليس مجرد محاربة للإرهاب، ما جعل المسئولين العراقيين والإيرانيين والشيعة المصريين يهاجمون الأزهر، ويعتبرون أنه انحاز إلى داعش من أجل السعودية وأمريكا.



تلقى تمويلات


لم ينتهى الأمر هكذا، بل زعمت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، أن الأزهر الشريف تلقى دعما ماليا مقابل توجيه انتقادات لقوات الحشد الشعبي في العراق، واتهامها بارتكاب جرائم طائفية، مشيرة إلى أن ساسة عراقيين يتهمون الأزهر بدعم داعش بطريق غير مباشر.


ونقلت الوكالة، فى بيان لها الخميس الماضي، عن مصدر وصفته بالاستخباراتي، لم تكشف عن هويته، ادعائه أن سبب توجيه مؤسسة الأزهر للانتقادات إلى الحشد الشعبي في العراق يعود لتلقي الأزهر دعما ماليا يقدر بثلاثة ملايين دولار أمريكي لقاء توجيه الانتقادات للحشد الشعبي، حتى وصل الأمر إلى أن قال نائب فى التحالف الوطني العراقي،  إسكندر وتوت، قوله  إن "داعش له وجهان الأول هو التنظيم الواضح والظاهر للعيان والمعروف للجميع، والثاني هو التنظيم الخفي ومنه الأزهر".


وبهذا التضارب والتراشق بين الأزهر والمؤسسات الدينية الشيعية العراقية والإيراني، أخذ داعش فرصة لإعداد صفوفه من جديد، وتراجع عن فكر الانسحاب، الذى أعلن البغدادى أنه بأوامر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأصبح الأزهر فى موقف المدافع عن نفسه.