التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 03:14 ص , بتوقيت القاهرة

أمريكا ومستقبل الشرق الأوسط

عدد من مراكز الأبحاث الأمريكية منشغلة هذه الأيام بمستقبل الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. منذ أسابيع قليلة كتب "مارتن إنديك"، مدير برنامج السياسة الخارجية بمركز "بروكنجز" ومساعد وزير الخارجية في عهد كلينتون والمسؤول السابق عن عملية السلام في عهد أوباما، تحليلا هاما ومثيرا للجدل حول هذا الموضوع.


يرى إنديك أن إدارة أوباما تتعامل مع المنطقة بأسلوب القطعة ولا تملك استراتيجية متكاملة لمواجهة حالة الفوضى التي صار عليها الشرق الأوسط، وأهم مظاهرها انهيار بعض دول المنطقة، وتحول أخرى إلى دول فاشلة، وتزايد مناطق الفراغ في المنطقة، والتي أدت لظهور الإرهاب وترعرعه فيها.


يتحدث إنديك عن أن منطقة الشرق الأوسط تشهد الآن ثلاثة صراعات أساسية.


الأول: هو الصراع الطائفي السني – الشيعي، والذي بدأ في لبنان، وتصاعد مع الحرب في العراق، وامتد الآن إلى سوريا والبحرين واليمن، وأن إيران والسعودية هما الطرفان الأساسيان في هذا النزاع. وأن إيران أصبح لها اليد العليا في عدد من العواصم العربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.


الثاني: هو الصراع السني- السني، ويدور بين النظم العربية السنية والتنظيمات السنية العنيفة مثل القاعدة وداعش، بالإضافة إلى التهديد الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين لعدد من النظم السنية.


الثالث: هو الصراع العربي – الإسرائيلي، والذي لم يعد صراعًا بين إسرائيل ودول عربية، بل صراع بين إسرائيل وفواعل من غير الدول Non State Actors مثل حزب الله وحركة حماس، لديهم القدرة من وقت لآخر على إشعال الصراع على حدود إسرائيل مع جنوب لبنان وغزة.


يرى إنديك أن قيام الولايات المتحدة باستعادة النظام "Order" بمنطقة الشرق الأوسط مسألة صعبة، لأن الأمريكيين لا يريدون المزيد من التورط في المنطقة بعد تجربة العراق، بالإضافة إلى انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على بترول الشرق الأوسط.


ولكن الولايات المتحدة لا يمكنها الانسحاب من المنطقة لأن انسحابها يؤدي إلى فراغ تملؤه قوى معادية لها كما حدث في حالة العراق، كما أن حلفاء الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا مازالوا يعتمدون على بترول الشرق الأوسط، كذلك فإنّ أي انقطاع لإمدادات البترول من المنطقة سيؤدي لارتفاع سعره وأزمة اقتصادية عالمية ستؤثر أيضًا على الاقتصاد الأمريكي. أخذا في الاعتبار هذه القيود على الدور الأمريكي، يرى إنديك أن الحل هو قيام الولايات المتحدة بالتحالف مع قوى إقليمية لإقامة نظام إقليمي بالمنطقة، وأن لديها خيارين بهذا الشأن:


الأول: التحالف مع إيران، ويتضمن الاعتراف بنفوذ إيران في الخليج في مقابل الاتفاق بشأن برنامجها النووي، والحد من دعمها لحزب الله وحماس والحوثيين وبشار الأسد، وبدلا من ذلك يقوم البلدان بالمساهمة في بناء نظام إقليمي إيراني- أمريكي.


التحالف الثاني والذي يطلق عليه "العودة للمستقبل Back to the Future" يمكن أن يتم بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين بالمنطقة، وهم مصر والسعودية وتركيا وإسرائيل. ويكون الهدف العودة للنظام القديم القائم على احتواء إيران، والحد من برنامجها النووي ونفوذ أنصارها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ويُمكن أن يعمل هذا التحالف أيضا ضد داعش والقاعدة.


وفي نهاية تحليله يرى إنديك أن الولايات المتحدة عليها الاختيار بين هذين البلدين، ولا يوجد خيار ثالث. خيارات إنديك أدت إلى جدل في الأوساط  السياسية والبحثية الأمريكية، بين مؤيد لأحدها أو معترض على الآخر أو مقترح لبديل لها.


ودون الدخول في تفاصيل هذا الجدل، فإنّ الحقيقة الأساسية هنا هي أن الولايات المتحدة تفكر بجدية في مستقبل دورها وتحالفاتها في الشرق الأوسط، وهو أمر يمسنا بشكل أساسي.


القضية لا يجب أن تكون أين موقعنا في هذا التفكير الأمريكي، ولكن ما هو تفكيرنا نحن بخصوص مستقبل الشرق الأوسط؟ وما دورنا فيه؟ وتحالفاتنا داخله؟
أسئلة هامة تتطلب منا التفكير قبل أن تفرض علينا إجابات بشأنها.