التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 05:37 ص , بتوقيت القاهرة

"مصر المستقبل" يجب أن تقسو على نفسها في الحاضر

تحدي الحصول على الطاقة بدءا من حصول الجسم على الطاقة اللازمة لحياته، وصولا إلى تنويع مصادر الطاقة الإنتاجية، هو التحدي الرئيسي الذي تواجهه المجتمعات البشرية، والذي يقود توجهاتها السياسية. هو قوة العمل الخارجية التي لا يمكن استبدالها بقوة بشرية - حقيقة اكتشفها البشر منذ عرفوا النار. ثم شكلت بعد ذلك الفارق الرئيسي بين تقدم مجتمعات وتخلف أخرى. أمم ناشئة انتصرت على حضارات كبرى لأنها تعلمت ترويض الأحصنة وتسخير طاقتها، وأخرى لأنها أضافت إليها العجلة، ثم أخرى لأنها اكتشفت البارود، فالفحم، فالبخار، فالكهرباء والميكنة الحديثة. ثم طاقة البترول والطاقة النووية.


الاتحاد الأوروبي نفسه كانت لبنته الأولى تجمعا لست دول في مواجهة تحدي الطاقة اسمه "التجمع الأوروبي للفحم والحديد".


طيب. وبعدين؟


أولا:


من المؤشرات الباعثة على التفاؤل إدراك إدارة الحكم الحالية في مصر لأهمية الملف، كونه الأساس الذي تنطلق منه أي تنمية اقتصادية. حجم المشاريع المقترحة من الحكومة في مجال الطاقة يفوق مثيله في أي مجال آخر. ثم إن نجيب ساويرس، مؤشر توجه الاستثمار الخاص في مصر، صرح لوكالة أسوشيتد برس بأن عائلته سوف تستثمر أكثر من 3 مليارات دولار في مجال الطاقة.



ولكن، ثانيا:


إن كانت الطاقة سلعة ضرورية إلى هذا الحد، وإن كنا فقراء فيها، فكيف يكون سعرها رخيصا بهذا الشكل؟


الإجابة، مهما كانت، سيأتي فيها لفظ "الفقراء". وهذا - سياسيا - انحراف عن النقاش الأساسي. الفقراء - كونهم فقراء - لا يستخدمون تكييفات ولا تتعدد الأجهزة داخل بيوتهم. وبالتالي فالمستفيد الأساسي من دعم الكهرباء أناس قادرون على تحمل "القيمة الحقيقية" لاستهلاك الكهرباء. أما الفقراء فمن الممكن أن يقَدم لهم دعم عيني خاص بهذا الملف. الخسارة التي يتكلفها أصحاب المهن البسيطة الذين تعتمد مهنتهم على الكهرباء أكبر قيمة من فرق سعر الكهرباء لو رفع الدعم عنها. فكري في المكوجي والحداد وصاحب المطعم الذين تتوقف أعمالهم في الانقطاعات المتكررة للكهرباء. 


الفئة الثانية التي سيكون دعمها نافعا للمجتمع هي فئة أصحاب المشاريع الجديدة، هذا دعم تحفيزي، يجب أن يكون محدود المدة بسنة مثلا. ويمكن أن يكون في صورة إعفاء ضريبي من المبالغ المستحقة على الكهرباء خلال تلك السنة. 


المفتاح هنا هو عبارة "القيمة الحقيقية". لا سبيل إلى التعبير عن القيمة الحقيقية لسلعة إلا بتعريضها لمعادلة العرض والطلب. وبالتالي لا أعتقد أن السعي إلى ترشيد الطاقة عن طريق النصح سوف يجدي على نطاق واسع. لكن ما يجدي هو أن ندرك قيمة ما نحصل عليه. (نفس المنطق يسري على استخدام الماء، لكن هذه قصة أخرى). 


هذه إجراءات قاسية لا شك، لكنها ضرورية للتعجيل بحدوث تنمية مستدامة، مبنية على وعي سياسي وإدارة كفوءة. سنكون مستعدين لأن نفعل هذا لو كنا ندير اقتصاد حرب. حسنا. نحن حقيقة في وضع لا يقل خطورة عن وضع اقتصاد الحرب، ولا مجال للخروج منه فائزين إلا بإجراءات ناجعة تتعامل مع جوهر المشكلة. 


وجوهر المشكلة أننا نحتاج بشكل ملح وعاجل إلى توفير طاقة كافية لبدء مشاريع استثمارية، توفير هذه الطاقة هو طلقة بدء السباق. 



بالورقة والقلم، إما أن نعيش "على قد اللي عندنا"، ونستثمر الأموال التي دعمتنا بها دول صديقة في السوق، إلى جانب مشاريع القطاع الخاص، فنخفض مستوى البطالة ونحقق ربحا نستخدمه في الإصلاحات الاقتصادية الداخلية، وإما نظل نقترض و"نفنجر" على أنفسنا ونرجع نقترض. لا يجوز أن  نمارس سلوكا استهلاكيا ونتبنى سياسات تجبرنا على بيع "عفش البيت" لكي نعيش، ثم نصرخ إنهم يبيعون مصر. ولا يجوز أن نتبنى سياسات تطالب الدولة بكفالة الشعب ثم نغضب من المركزية ومن فقر المنافسة السياسية. الاقتصاد آلية التغيير السياسي.