التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 12:21 ص , بتوقيت القاهرة

زعيم "مصر الفتاة" أحمد حسين.. تحولات أم تناقضات؟

يظل زعيم حزب "مصر الفتاة"، أحمد حسين، مثيرا للجدل، في ظل تعدد وتناقض مواقفه وأفكاره التي بدأت منذ نشأته، فهو من مواليد 8 مارس عام 1911 بالسيدة زينب - القاهرة، ودرس بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، فيما ظهرت ميوله الدينية في فترة دراسته الثانوية، حين ألتقى برفيق دربه فتحي رضوان وأنشأ معا "جمعية نصرة الدين الإسلامي"، والتي لم تستمر طويلا، ولكنها كانت مقدمة لتاريخ طويل من الزعامة.


زعامة مبكرة


التحق حسين بكلية الحقوق، بجامعة فؤاد الأول "القاهرة" سنة 1928، والتي سرعان ما تجلت فيها زعامته بعد تبنيه مع فتحي رضوان ما سمي بـ"مشروع القرش" عام 1931 لدعوة المصريين للتبرع ولو بقرش لصالح الاقتصاد القومي.


وبالفعل استطاعا بعد عام جمع 17 ألف جنيها، وبناء مصنع للطرابيش بالعباسية، الذي أنتج "الطربوش المصري"، نظرا لإيمانه بأنها جزء من الهوية الوطنية والإسلامية بحسب رأيه، وكان ذلك المشروع أيضا أولى تجليات فكره الإشتراكي في أسلوب التمويل.


فلم يكن "حسين" ذو ميول دينية فقط، بل كان صاحب ميول بدت متناقضة لكثيرين، فهو يسعى للاستقلال ولكن في حضن العثمانيين، ثوري النزعة، ولكنه لا يقبل المساس بالذات الملكية، اشتراكي وإسلامي الهوى في نفس الوقت، متحمسا لفكرة القومية والوطنية ولكن في ظل دستور إسلامي، وهو ما كان أحد أهم أسباب الصدام له مع حزب "الوفد" الذي لم ير سوى راية الوطن لتجمع جميع المصريين.


كما ظهر خلال كلمته التي ألقاها بحفل أقامه شباب حزب "الأحرار الدستوريين" لصاحب القبضة الحديدية "محمد محمود باشا" قائلا "مصر في حاجة إلى زعيم من دم فرعوني، وهذا هو أنت، يا ابن الصعيد الذي بقي محافظا على استقلال مصر ستة آلاف عام، وإذن فبلسان الشباب الحر أسألك أن تكون زعيما للشباب الحر"، ثم سرعان ما تخله عنه بعد سقوط وزارته.



مصر الفتاة.. من جمعية إلى حزب


أعلن حسين، إنشاء جمعية "مصر الفتاة" تحت رئاسته في 12 أكتوبر 1933، الذي تبنى من خلاله مبادئ قد تبدو متطرفة للبعض، إذ كان يرى أن مصر العربية الإسلامية يجب أن تتفوق على الغرب، ولا يجب على المصري أن يتحدث إلا بالعربية، ولا يلبس أي منتجات أجنبية، ورفع شعار "تعصب لقوميتك لحد الجنون"، وكان ذلك نتاج تأثره بالحركات القومية المتطرفة كالنازية وكالفاشية في أوروبا، فأخذ أيضا عنهم فكرة الميليشات شبه العسكرية وأنشا ما عرف باسم "تشكيل القمصان الخُضر"، واستطاعت تلك الحركة أن تزداد قوة بعد دعمها لحكومة أحمد ماهر.


وعرف "مصر الفتاة" بدعمه الدائم للملك، الذي رأوا فيه زعيما يعبر عن تصورهم للدولة، فكان شعارهم "الله.. الوطن.. الملك"، وطالبوا بتسميته خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، لتحكم مصر في ظل الشريعة الإسلامية، وفي نفس الوقت تنبنى حسين وجمعيته خطابا اشتراكيا دعوا خلاله للمساواة وتحسين أوضاع الفلاحين ضد "اقطاع الباشوات".


ورغم ميوله الدينية، إلا أنه دخل مع جماعة الأخوان المسلمين في صراع عنيف على صفحات الجرائد، ومن خلال شباب الجامعات، وهو ما يصفه المؤرخون بأنه "صراع بين اثنين يتنافسون في بيع نفس البضاعة"، إذ اتهم كل منهم الآخر بالمتاجرة بالدين تارة و اتهامات بالمزايدة تارة أخرى.


من الحزب إلى اعتزال السياسة


أراد أحمد حسين، تحويل الجمعية إلى حزب فحدثت واحدة من أشهر الوقائع التاريخية، حينما ذهب لمصطفى النحاس باشا، الذي كان يتولى رئاسة الوزراء، الذي ما أن بدأ في قراءة برنامج الحزب الذي يرفع شعار "الله.. الوطن.. الملك" حتى رفضه قائلا: "عندما تذكر لفظ الجلالة في ورقة سياسية فأنت تتحول فورا إلى دجال يتاجر بعواطف الناس ومشاعرهم الدينية".


وتحولت الجمعية إلى حزب باسم "الحزب الوطني القومي الإسلامي"، ولكن ظل النحاس معاديا لذلك الحزب  الذي بدأ في ملاحقته بتهمة العمل مع دول أجنبية بسبب اتصاله بالألمان، وزادت الملاحقات بعد محاولة اغتيال النحاس الذي أغلق جمعيته ولاحق حزبه حتى قبض على أحمد حسين نفسه الذي استطاع الهروب من السجن عدة مرات، قبل أن يفرج عنه، ثم يعتقل مرة أخرى على خلفية اتهامه بحريق القاهرة، بعد أن أعلن اعتزاله السياسة قبلها مباشرة.


وأفرج عنه بعد قيام ثورة يوليو عام 1952، قبل أن يُعتفل مرة أخرى خلال أزمة مارس 1954، وأفرج عنه على أن يترك البلاد، فذهب سوريا ولبنان ولندن والسودان، وفي عام 1956 طلب العودة إلى مصر، على أن يعتزل السياسة، وعاد بالفعل وعمل كمحامي حتى اعتزل عام 1960 إلى أن توفى في 26 سبتمبر عام 1982، تاركا لنجله الإخواني مجدي أحمد حسين نصيبا من تناقضاته.