التوقيت الخميس، 02 مايو 2024
التوقيت 06:15 م , بتوقيت القاهرة

صراع المصالح والثوابت: السعودية وتركيا.. مصر وإسرائيل

السعودية معذورة تماما في حرصها على تقوية علاقاتها مع تركيا حاليا. الاتفاق النووي الغربي الإيراني يعني تكريس حيازة إيران، الدولة الشيعية الأصولية المستبدة، لتكنولوجيا نووية، وبالتالي الاحتمال الكبير بأن تستغل هذا في الحصول على أسلحة نووية. هذا خطر كبير يشغل أفكار الناس ويحظى باهتمامهم. لكنه، فعلا وجدا، ليس الخطر الأكبر.



الخطر الأكبر هو الخطر الواقع حاليا، لا المحتمل مستقبلا. هذا اتفاق يكرس الوضع الجيوسياسي القائم، وهو أخطر من القنبلة النووية المستقبلية. هذا الوضع يعني نفوذا إيرانيا مفتوحا في العراق، تساعدها عليه أمريكا بالتعاون في القضاء على ميليشيا داعش، والتغاضي عن ميليشيا بدر، وميليشيات الصدر، وميليشيات المالكي، الميليشيات التي تدعمها إيران.


وهو يعني أيضا تحسين الوضع الإيراني في سوريا، بدلا من الضغط عليها، ويعزز سيطرته التامة على لبنان، من خلال آية الله حسن نصر الله، الذي يضطلع واقعيا بمهمة المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، هذا هلال شيعي سياسي مكتمل. نتحدث هنا عن السياسة خلف المذاهب، وليس عن المذاهب نفسها. إن أضفنا اليمن، ثم الوضع الذي شهدته البحرين، لفهمنا لماذا تسعى السعودية بجد إلى مساعدة الأتراك. لماذا تحتاجهم جدا بعد الاتفاق الغربي مع إيران.


تركيا هي الجارة الشمالية لسوريا، من مصلحتها وجود نظام على علاقة جيدة معها، والأهم ليس مرتبطا بقوة إقليمية منافسة. كما أن مشكلة الأكراد تهمهما في المقام الأول، حلم الدولة الكردية تقدم خطوات منذ سقوط العراق. وبالتالي فإن تركيا أقرب إلى السعودية في موضوع سوريا، ليس هذا فقط، إنما أفيد أيضا.


ولتركيا مصلحة كبرى في بقاء العراق موحدا، بسبب المشكلة الكردية. لذلك فتركيا قريبة من المصالح الخليجية في العراق، ليس فقط سياسيا، إنما جيوسياسيا أيضا بسبب الموقع. لا غنى للخليج، منذ الثورة الإسلامية، عن قوة إقليمية توازن إيران. والحاجة الخليجية إلى ذلك صارت الآن أشد، لأن العراق الذي فعل هذا صار الآن حليفا إيراني الهوى على أقل تقدير.


ولتركيا أيضا فائدة في القرن الإفريقي، على الضفة الإفريقية من باب المندب. مصالحها التجارية والسياسية التي بنتها خلال العشر سنوات الماضية أثمرت. تعرضت لذلك بالتفصيل في مقالين سابقين.


تركيا وأمريكا يتقدمان في لعبة القرن.. حتى الآن


في إثيوبيا: الغول والعنقاء و"الغلاوة" السياسية


هل معنى أن السعودية تحتاج إلى تركيا أنها ستستغني عن مصر؟


لا. ليس بالضرورة. مصر أيضا مهمة جدا. كونها بلدا أفقر من تركيا، ولا تزال بعيدة عن الالتزام بالآليات الديمقراطية، وطموحاتها حاليا محدودة، يجعلها أسهل في التعامل، وأيسر في الشروط السياسية.


لكن في الوضع الحالي، ولأن الحزب التركي الحاكم حاليا يجاهر بالعداء لمصر، فلن نفترض أبدا تقاربا تركيا سعوديا لا تتحول فيه مصر من لاعبة إقليمية إلى ورقة في التفاوض. بمعنى أن تركيا لن تضيع الفرصة لتشترط دعما سعوديا أقل لمصر، بصورة أو بأخرى.


السؤال السياسي إذن. كيف تتصرف مصر؟


هناك دولة واحدة تكاد مصالحها في الوقت الحالي تتطابق مع المصالح المصرية. نعم. إنها إسرائيل.


إنما ?"الثوابت الثقافية" في السياسة، كما في أشياء أخرى، تقف ضد مصلحتنا. أو على الأقل تعطلها. والتعطيل يعني أن مرور الوقت يزيدنا ضعفا. والضعف المتزايد يعني أن خياراتنا السياسية تقل. وقلة الخيارات السياسية تجعلني أتوقع أن نقبل - لو انتظرنا أكثر - بما لم نكن لنقبل به.


مصر لها وضع غريب جدا.


تركيا تستطيع أن تتحالف عسكريا مع إسرائيل، حتى في ظل حزب العدالة والتنمية الإسلامي، لكن مصر لا.


تركيا تستطيع أن تتحالف مع أمريكا، أمس واليوم وغدا، رغم أن تاريخ العداء بين الغرب وتركيا حقيقي، وليس مفتعلا وسطحيا كما الحال مع مصر، لكن مصر لا.



لو لم يتغير هذا، بشجاعة قيادة واثقة، فإن أمل مصر في تغيير وضعها السياسي ضعيف جدا. لا نملك ثروات طبيعية تجعلنا آمنين على مواردنا إن أغلقنا علينا بابنا، ولا نعيش في منطقة مسالمة نستطيع أن نأخذ منها "فسحة" لكي ننشغل بالتنمية. لا. مهددون من ليبيا، ومن غزة، ومن القرن الإفريقي.


كما أنني أفترض أن مصر ليس أمامها من أمل إلا في التطور العلمي الحداثي. مرة أخرى. لو كنت ثرية تستطيعين أن تعيشي كما تريدين. تملكين رفاهية تأجير خدم يحملون لك الماء من البئر إلى القصر لو أردت. أما الفقراء المجتهدون فليس لهم من أمل إلا الآلة والميكنة، والمزاحمة في سوق التفكير.


هذا في منطقتنا لا يتوفر إلا في إسرائيل. صاحبة أفضل سجل جامعات، أفضل ابتكار تكنولوجي، أفضل تقنيات زراعية.. إلخ.


السؤال: هل نريد أن نعتمد على أنفسنا أم نعتمد على إحسان المحسنين؟


إن أردنا الأولى فإن علاقات أوثق مع إسرائيل خطوة في هذا السبيل. وهي خطوات إضافية في أكثر من ملف. سواء كان حدودنا الشمالية، أو القلق المشترك من الجماعات الإرهابية، أو الرغبة في تحسين علاقاتنا مع جيراننا الأوروبيين، ومع أمريكا، أو زيادة قوتنا العسكرية وأماننا العسكري، أو تأمين سيناء، أو المشاريع السياحية فيها. هذا فضلا عن الطبيعة المجتمعية نفسها، مصر تحتاج إلى الانفتاح على مجتمعات ذات نمط مختلف، ومنظومة قيمية مختلفة.


مصر لا تملك رفاهية التلكؤ في النجاح. النجاح بذرة النجاح. كل خطوة نجاح بتوفر خطوة استغناء، عامل القوة الرئيسي في السياسة. في وقت صياغة توازنات جديدة في المنطقة فإن انتظار فتات الموائد ليس أدبا، كما أن عاقبته كارثية لعقود قادمة.


الحاجة بذرة الضعف، والضعف بذرة القرارات الاضطرارية. تلك قد - قد - تحفظنا على قيد الحياة، لكن القرارات الاضطرارية أبدا لا تحسن الحال. نحتاج إلى مغامرة وتفكير خارج الصندوق.