التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 09:12 ص , بتوقيت القاهرة

وصفة طبيخ الملايكة!

دخل عبد العاطي السجن بتهمة حيازة مخدرات والتجارة بها، هل تعرف عبد العاطي؟ كان يسكن بيتا بدون باب أو نوافذ في إمبابة، يعيش مع زوجته وأمه وثلاثة أطفال ( عياله )، في يده صنعة نجار، لكنّه مثل كثير من أصحاب الصنعة، لا يجد من يشجعه على الاستمرار بها أو يطور صنعته ويعلمه كيف يصبح أسطى ثمنه غالي، ثم ـ كما يقول لنفسه ـ أشتغل ليه طالما أقدر طول النهار أجلس على أقرب قهوة ألعب طاولة وأشرب شاي وشيشة وأتاجر في المخدرات (على خفيف)!


باعوه، أصحابه أو جيرانه أو زملاؤه أو التاجر الكبير، فتم القبض عليه، دخل السجن عشر سنوات، ووراؤه: أم عجوز وزوجة مريضة وثلاثة أطفال في المدرسة الابتدائي.


بكت الزوجة على عائل العيلة، ثم رحلت بعدها بأقل من شهر، والأطفال الثلاثة واصلوا الحياة بالفتات الذي أقسمت به السيدة العجوز جدتهم على أن يعيشوا مستورين ويكملوا تعليمهم.


خرجت تعمل، في هذا العمر وتحت قسوة البرد وفي صعوبة الحياة وشمس أغسطس، خرجت تعمل، اشتد عودها وازدادت صلابتها، في فترات التحدي يختصر الزمن من نفسه سنوات من أعمارنا، ويكافئنا الله بقوة مدهشة وصبر.


الأطفال كانوا يكبرون أمام صبرها وتحت صمودها وبقطرات عرقها في خدمة البيوت، وتجارة الأشياء الصغيرة التي كانت تعرف كيف تشتريها ولمن تبيعها بالتقسيط، ركبت للحيطان باب ونوافذ، وأشعلت نجفة في الغرفة الوحيدة ليذاكر العيال، في وسط شقاها نسيت تعد الأيام، أيام تسلم أيام، وأزمات من ربكتها كانت لها ألم يمحو ذاكرتها.


وفي يوم وجدت رجل عجوز يطرق الباب عند منتصف الليل، غريبة، لم تعرفه؟ السجن هده، الأيام عذبته، المخدرات التي لم يحرم منها حتى في السجن كسرت كل ملمح له.


مين ؟


أنا !


إيه اللي جابك ؟


بتطرديني ؟


مش مكانك هنا ؟ امشي الله يسهلك. سيب العيال في حالها.


هاقتلهم !


عيالك.. ضناك ؟


مش عيالي.. أنا مابخلفش.. قالولي فى السجن لما كشفوا عليّ وأنا عيان.


اطلع برة .


هموتك إنت كمان.. أنا ماعرفش حد فيكم.


ضربته بسكين في يدها مات! وقفت مذهولة أمام جثته صامتة غارقة في الدم، ابنها، من قال إنه ليس ابني، ضناي، وقفت أمام حضرة المحكمة لا تتكلم، لا تتكلم لأنها أصيبت بشلل في وجهها، كأن.. كأن كل عذاب العمر اجتمع في كومة غضب، أسكتتها.. لم تكن ناقصة بعد كل جرعات الحزن والألم أن تصبح هناك لحظة خسارة فادحة لكل شيء.. ابنها مقتولا بيدها، أحفادها قتلة من اليأس، وهي قتيلة نفسها في قفص لا تعرف من أتى بها إلى هنا.


بماذا يحكم القاضي؟


هل يدق دقاته الثلاث على خشبة المسرح لكى يعدمها.. مافائدة الموت لها؟ إذا كان عقابها أن تعيش وتستمر في المعاناة من أجل أطفال ثلاثة يجب أن يعيشوا.


حكم القاضى بالبراءة ..


ماتت في مكانها.. قبل أن تسمع الحكم.


( قصة مصرية حدثت بالفعل في وقتٍ قريب، ومازال النيل يمضي بالمزيد من القصص التي ليس لها أي علاقة بالأحداث السياسية التي تطفو على السطح، القبو الذي نسير فوقه مليء بالقصص والناس والأحداث والحوادث والآلام التي لا توصف أبدا، يبقى إذا سؤال: لمن نكتب ولمن نصف على القنوات الفضائية آخر الأخبار وآخر أسعار العملات وآخر وصفات الطبيخ الذي يأكله الملائكة).