التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 08:50 ص , بتوقيت القاهرة

النص الكامل لكلمة محلب أمام مؤتمر "عظمة الإسلام"

قال رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب، خلال كلمته في المؤتمر العام الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية "أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وأرحب بكم جميعا في بلد الأزهر الشريف، وطن المحبة والسلام، ورمز التعايش بين جميع الأديان. 

وأضاف أن مؤتمركم هذا العام يأتي فى توقيت بالغ الأهمية، ولذا أحيى منظمى المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الذين وضعوه تحت عنوان يعبر عن المشهد الحالى: "عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه".. دعونى أبدأ كلمتي بهذه الآية الكريمة، المعبرة عما نعيشه هذه الأيام، حيث يقول الله سبحانه وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ {8} يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ {9} فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ {10} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ {11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ {12}  صدق الله العظيم.

السادة الحضور...        

إن ما نجده اليوم من تكفيرٍ  وتطرُّفٍ وغُلُوٍّ لدَى المتطرفين ، وما يَنشأ عنه من سفك الدماء، وقتل الأبرياء، وحرق الأسرى، كلُّها  أعمالٌ إجراميَّةٌ دخيلةٌ على ديننا ، وعلى بلادنا وعاداتنا وتقاليدنا، جَسّدتها هذه الآيات الكريمة السابقة، لأنها إفسادٌ في الأرض وإشاعة للرعب والخوف، واستهداف للأمن والأمان، والإسلام منها بريء.

فَديننا الحنيف حذّر من ترويع الآمنين، وحَرّم التعدي عليهم، لأنه إجرامٌ ت?أْباه الشريعةُ الإسلامية والفطرةُ الإنسانية، يقول (صلى الله عليه وسلم) : « مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ »، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا). 

إن إسلامنا أمرنا بحسن معاملة الجميع، أمرنا باحترام حقوق الإنسان، بل والحيوان أيضا، وتراثنا الإسلامي به من القصص والروايات التي تدلل على ذلك. 

السادة والسيدات...

إننا لَنَعْجبُ أشد العجب من أُناسٍ ارتَدُوا عَباءة الإسلام، وحفظوا كتاب الله (عز وجل) أو بعضا منه، وقد يَسْتدلون بنصوصٍ رُبَّمَا يكون بعضُها من صحيح السنة، غيرَ أنَّهُم لم يفهموها، فانحرفوا بها عن الفهم الصحيح، وفسروها تفسيرا يخدم مصالحهم الشخصية أو أغراضهم الدنيئة، فَضلّوا وأضلّوا، وَحَادوا عن سواء السبيل.  

إن الإسلام دينُ إنسانيةٍ ، ودينُ حضارةٍ ورُقيٍّ ، سبيلُهُ البناء لا الهدم.. والتعمير، لا التخريب .. والصلاح والإصلاح ، وعِمارة الكون.. لا الفساد ولا الإفساد...دينٌنا الإسلامى يدعو إلى العمل والإنتاج، والتمسك بِمُقومات الحضارة التي من شأنها أن تنهضَ بأمتنا وت?عْلُو ببلادنا، يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

والأمر لا يتوقف عند العمل فحسب ، بل لابد من الاتقان فيه، وقد حثَّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، فقال: "إِنّ اللهَ ( عز وجل ) يُحِبٌ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ "، فإتقان العمل سبيل إلى بناء الأوطان وتقدمها ورُقيها.  

ونظرًا لما تَمُرُّ به أُمتُّنا العربية، وما تتعرض له من هجمة شرسةٍ من قِبَلِ القوى الإرهابية الغاشمة، فإننا في حاجة ماسةٍ إلى تكاتفِ أبنائها، و إلى مَدِّ يَد العونِ من كلِّ أفرادِهَا، حتى نتجاوز معًا الأزمات والشدائد والمحن التي تكاد تعصف باستقرارها، ونعيدَ لها مكانتَها اللائقة بين الأمم.

السادة والسيدات... 

لقد كانت بعثة النبيِّ مُحمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) رحمةً للعالمين، حيث أرسله الله عز وجل رحمة للناس كافَّةً ، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، ولم يقل: أرسلناك رحمة للمسلمين، أو للمؤمنين وحدهم. 

ومن مظاهر رحمته (صلى الله عليه وسلم) أنه علَّمَنا بمواقفه العظيمة وتعامله السمح  كيف نكون سُبُلَ هدايةٍ ورحمةٍ ، لا سُبُلَ شقاءٍ أو عناء، وقد تجلى ذلك في مواقف عديدة، منها : ما كان منه ( صلى الله عليه وسلم ) يوم فتح مكة، بعد أن تَحمّل من أهلها ما تحمَّل من الأذى، فلمّا أتم اللهُ عليه النعمة وأيَّده بنصر من عِنْدِه، ودخلَ مكةَ فاتحًا مُنتصرًا، خاطبهم بقوله : يا أهل مكةَ ما تَظُنُّونَ أنِّي فاعلٌ بكم، قالوا: خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ, فقال (صلى الله عليه وسلم): اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وقد كانت السيدة خديجة (رضي الله عنها) تقول له (صلى الله عليه وسلم) مُعَبرة عن كريم أخلاقه وصفاته : (واللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أبدًا ، إنك لتَصِلُ الرَّحِم، وتَصْدُقُ الحديث، وتُؤَدِّي الأمانةَ، وتَحْمِلُ الكَلَ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتُكرِمُ الضيفَ وتُنصف المظلوم، وتُعِينُ على نوائبِ الدهر"، مُبِيِّنةً بذلك بعض أخلاقِه الحميدة، وصفاتِهِ الكريمَة.

ويكفيه (صلى الله عليه وسلم) شرفًا أن الله سبحانه وتعالى قد شهد له بعظمة أخلاقه، فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وإذا كانت هذه هي أخلاق نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) فالإسلام دين رحمة وسماحة، لا دين قتل أو إرهاب. 

السادة الحضور...

إني لعلى ثقة كبيرة في أن هذا الجمع العظيم من علماء الأمة المجتمعين هنا في القاهرة، وبرعاية وزارة الأوقاف المصرية، سيسهمون بجهد وافر في وضع حلول للمشكلات التي تحيط بالأمة، وسيكون لهم نصيب وافر في الإسهام في تجديد الخطاب الديني على النحو الذي يرضي الله عز وجل، ويحقق مصالح البلاد والعباد، وأتمنى لمؤتمركم التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏?.