التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 06:43 ص , بتوقيت القاهرة

صفاتنا المحببة في الداعشي الكريه

الداعشيون مجرمون متطرفون، لا شك في ذلك. لكنّهم وإن بدوا لنا أقرب إلى الوحوش منهم إلى البشر، لا ينبغي أن ننسى أنهم بشر. وليس بين البشر ملائكة أو شياطين، فقط أناس طيبون وأناس أشرار. والداعشي، وإنْ جاء تجسدًا للشر في صورته النقية، إلاّ أنه يظنُ أنه يحمل بعض الصفات التي قد تتشابه مع بعض صفاتنا الحسنة. لكن تطرف الداعشي- للأسف- ونزعته الإجرامية الأصيلة يحولان أي صفة حسنة إلى نقيضها، مما يدفعنا إلى كراهيته. وفيما يلي سبعٌ من بعض صفاتنا الحميدة والتي يتصادف، لسوء الحظ، أن يدعي الداعشي الشرير أنه يتصف بها كالطيبين من الناس.


1- الإيجابية:
هذه صفة تؤكد الثقافة السائدة على أهميتها دومًا، وتلقي باللوم على من يتصفون بالسلبية تجاه الأحداث والمواقف التي تعترضهم خصوصًا في الشأن العام. فلا ينبغي للفرد أن يقف موقف المتفرج اللامبالي بما يدور حوله. هو هكذا يمنح الفرصة للخطأ أن يشيع وللمشكلات أن تتفاقم. ونحن نرى الطيبين حولنا يمارسون الإيجابية بكل حماس، فسكان عمارة ما من الإيجابيين يصرون على رحيل تلك الساكنة التي تقطن في البناية وحدها درءًا للشبهات، حتى وإن لم تستقبل زائرًا واحدًا. وزميلات العمل الإيجابيات، أو قريبات العائلة، لا يدخرن وسعًا لإقناع زميلتهم أو قربيتهم غير المحجبة بالتزام الفضيلة.


وشيخ المسجد وقس الكنيسة لا يبخلان بالنصح أبدًا لمن يتغيب عن الصلاة، بل قد يذهبان له في بيته، بإيجابية مفرطة، للسؤال عن حاله والتطوع لحل أي مشكلة تكون قد أعاقته عن صحبة الطيبين. لكن الداعشي ـ ونظرًا لطبيعته المتطرفة الإجرامية ـ يحول هذه الصفة الحميدة إلى تدخل سافر في شؤون الناس الخاصة والعامة. ويأخذ في دس أنفه فيما لا يخصه مغيرًا ما يراه من منكر بيده وقلبه ولسانه وسكينه كذلك. عليه اللعنة.


2- العلم: 
نردد دومًا ـ عن حق ـ أن التعليم كالماء والهواء وأن العلم هو سبيلنا للتحضر والرقي. ونحن نحترم العلم والعلماء ونوقرهم لدرجة أننا نطلق على أصحاب الشهادات الجامعية لقب مثقف. وفور أن يلتحق أحد أبنائنا بكلية الطب مثلاً نبدأ في مناداته بالدكتور، وإذا رأينا شاباً يسير في الطريق معلقاً على كتفه مسطرة "تي" لا نتردد في اعتباره مهندسًا. حتى الطفل الصغير الذين يحفظ أجزاءً من القرآن، وإن لم يفقه شيئًا منها، لا نرى غضاضةً في أن نطلق عليه لقب شيخ، خاصةً إذا كان يرتدي جلبابًا وطاقية رأس. وإمعاناً في احترام العلم وحاملي شعلته نفسح صحفنا وقنواتنا وإذاعاتنا لمن لدينا من الخبراء الإستراتيجيين والأمنيين والتربويين والإعلاميين (بلا أدنى تمييز بغيض بينهم) ليملؤوا رؤوسنا بأعظم الأفكار المتضاربة. ثم يأتي ذلك الداعشي الضحل الذي لم يقرأ في حياته سوى كتاب أو اثنين ليدعي أنه صاحب علم وفقه. يا له من جاهل مضلَل!


3- التمرد: 
تلك قيمة عظيمة يدعو لها الشعراء والمغنون والمفكرون المستنيرون دومًا. لا بد حقًا للإنسان أن يتمرد على الأوضاع ويغيرها للأفضل. ونقرأ ونسمع عن العظماء في كل العصور، فنعجب بتمردهم وتحديهم الشجاع لما حولهم. ونظرًا لأن عالم اليوم سريع الإيقاع لا يحتمل التفاصيل، فإنّ أغلب المنادين بالتمرد لا يثقلون رؤوسنا بها. هم لا يحددون لنا على ماذا يجب أن نتمرد أو لِمَ يجب أن نتمرد؟


فهم يدركون أن ذلك قد يعد تدخلًا سافرًا في شؤوننا، وهم أرقى من ذلك. هم يلقون لنا فقط بعبارات مانعة جامعة من نوعية "تحدي الكون وتمرد"، ويتركون لنا حرية تأويلها. ونظرًا لعجز الداعشي عن التأويل ووقوعه ضحيةً للتقليد الأعمى فهو عندما يستمع لمثل تلك العبارة يأخذها على ظاهرها وينفذها حرفيًا. فيبدأ في التمرد على الكون وكل ما فيه من قيم ومؤسسات وأعراف وأخلاق. أليس غبيًا بالفطرة؟


4- الانتماء: 
لعلها أعظم ما فينا من صفات وأكثرها بروزًا. فنحن ننتمي للوطن ونكتب له الأغاني الحماسية الجميلة التي تملؤنا فخرًا وعزة. لكننا أيضًا ننتمي ـ وربما بذات القدر ـ إلى ديننا وأفكارنا ومهننا وعائلاتنا وقبائلنا وعشائرنا وقرانا ومدننا. ونحن ننحاز- بلا تردد- إلى من يشاركونا ذات الانتماء. فالأقربون أولى بالمعروف دومًا. نساعد ـ مدفوعين بانتمائنا ـ أقاربنا وبلدياتنا وجيراننا وأصدقاءنا ومن يشاركوننا في العقيدة الدينية أو السياسية في الحصول على الوظائف.


وننتفض بلا خوف كأسرة أو قبيلة إذا تعرض أحد أقاربنا لمكروه على يد غريب عنا لنثأر له دون أن نضيع وقتنا في التساؤلات اللعينة. فإن قُتل رجل أصبح ثأره في رقبة الأسرة أو القبيلة كلها. وإذا أخطأ طبيب أصبح الدفاع عنه واجبًا على كل الأطباء. وإذا اتهم سياسي من اتجاه معين بتهمة مشينة، تبارى كل أبناء التيار المنتمي إليه في تعديد مناقبه. وإذا غادر أحدنا دينه لدين آخر أصبح إعادته فرض عين على الجميع. تلك فضيلة الانتماء التي يعجز الداعشي عن فهمها على النحو الصحيح. يظن ذلك المتطرف المجرم أنه باصطفافه مع أناس لا يربطهم به رابط أو صلة سوى الأفكار القديمة البالية أنه هكذا ينتمي لشيء عظيم. فليخبرنا ذلك التعس من عائلته وأين بلدته قبل أن يحدثنا عن الهوية. 


5- سعة الحيلة: 
هي صفة يجب توافرها في الإنسان المعاصر الذي يواجه تحديات عديدة لا يمكنه حيالها إلا إعمال فكره المبدع والمتسم بالمرونة. وتمتلئ حياتنا بالمبدعين واسعي الحيلة الذين يجيدون الخروج من المآزق اعتمادًا على علمهم الغزير. فالمحامي مثلاً لا يقف عاجزًا أمام التهمة التي تدل كل الشواهد على أن موكله قد ارتكبها، بل يغوص في نصوص القوانين وتفاصيل اللوائح التنفيذية، ويعيد تفسير الوقائع وترتيبها بحكمة بالغة بما يصب في صالح العدالة.


وكثيرًا ما يلجأ المفسرون من ذوي المكانة السامية إلى أكثر الآراء تساهلاً أو تشددًا لينتزعوا ببسالة الرأي الذي يوافق الضمير. بل أن حتى الشخص العادي قد يتغاضى كثيرًا عن أمور تظهر له بينةً إذا وجد في تغاضيه هذا فائدة له أو لغيره عملاً بمبدأ الإيثار. ونحن نصف هذا الشخص برجاحة العقل ومرونة الفكر. لكن الداعشيّ يحول هذه الملكة العظيمة إلى أداة لسلخ النصوص من سياقاتها وإعادة تفسيرها على هواه بما يلائم مصالحه الضيقة. وهذا ليس إلاّ تدليسًا لا أكثر.


6- النخوة: 
تتوفر في رجالنا تلك الصفة الرائعة لأننا نغرسها في أولادنا من صغرهم. فالطفل الذي قد لا يجيد بعد تنظيف مؤخرته يدرك أنه رجل البيت في غياب أبيه. وحتى في وجود الأب، يعلم هذا الطفل أنه يليه في المسؤولية تجاه أمه وأخواته الأصغر منه أو الأكبر. فالنساء بطبيعتهن يتصفن بالخبث وسوء الطوية، وعلى الرجل صاحب النخوة أن يراقبهن جيدًا حرصًا على شرفه وسمعته. ونقرأ كل يوم في صحفنا عن رجل لم يتردد في قتل شقيقته لارتيابه في سلوكها. بل أننا كثيرًا ما نقرأ أن هذا القتل دفاعًا عن الشرف قد وقع نتيجة شائعة لا أكثر.


لكن الشرف الرفيع (والخسيس أيضًا) لا يسلم من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدمُ. كما أن الرجال من ذوي النخوة والنظرة الثاقبة يستطيعون في لحظة التفرقة بين المرأة اللعوب والمرأة التي لم تصبح لعوبًا بعد، فيتحرشون بالثانية بدرجة تقل كثيرًا عن تحرشهم بالأولى. أما الداعشيّ المفطور على الحرمان واحتقار النساء فهو يعجز عن التفرقة بين النخوة وغريزة السيطرة على الأضعف، ولا يرى في المرأة سوى وسيلة لتحقيق رغباته الدنيئة الآثمة. لو كان الداعشي يمتلك قدرًا ضئيلاً من النخوة لما اغتصب امرأة أو سباها قبل أن يتحقق من سوء سلوكها.


7- القوة: 
تلك صفة لا غنى عنها لفرد يرغب في العيش الآمن. ومنذ قديم الأزل يفرض الطيبون إرادتهم على الأشرار مستخدمين القوة عندما يعجزهم الحوار. ونحن نحترم القوة التي نراها لازمة للحصول على حقوقنا الطبيعية دون عدوان أو تجاوز. انظر مثلاً لمجموعة من الشبان يتكتلون سويًا، مستخدمين قوتهم لبسط حمايتهم على حي سكني أو سوق مزدحم وينالون مقابل ذلك من الأجر المادي والعيني ما يحميهم من البطالة. أو انظر مثلاً للباعة الجائلين وهم يوظفون قوتهم من أجل احتلال مكان يمارسون فيه تجارتهم الحلال.


ونحن عندما نرى مشاجرة في الشارع أو في محل العمل أو في حي السكن ننحاز دومًا للأقوى، والذي يتصادف غالبًا أن يكون الحق في جانبه. ونحرص دومًا على أن نُعلم أبناءنا فضيلة استخدام اليد لدرء أي إهانة قبل أن يفكر صاحبها في توجيهها ضدنا. وكثير منا يحرصون على امتلاك الأسلحة والإعلان عن ذلك لا رغبةً في العدوان، ولكن حفظًا للسلام الاستراتيجي في المنطقة القائم على الردع.


ويعمل الفن ـ مرآة الشعوب ـ على تكريس هذا الفهم للقوي الطيب في وعينا منذ القدم وحتى اليوم متماشيًا مع روح العصور، بدءًا من "وحش الشاشة" ومرورًا بالإمبراطور ومستر كاراتيه، وانتهاءً بتيتو وإبراهيم الأبيض والبلطجي وعبده موتة، وغيرهم من الشجعان.


لكن الداعشي المحب للعنف يسيء فهم هذه الفضيلة ويستخدم قوته لفرض سخافاته على الآخرين. ماذا تتوقع من شخص يحرم الفن؟



البضاعةُ الرخيصةُ عندما تُرد لأصحابها قد تصبحُ عالية التكلفة جداً.