التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 11:20 م , بتوقيت القاهرة

إحراق الأحياء بالنار سُنّة

<p dir="RTL"><span style="color: rgb(255, 0, 0);">(1)</span><br />تُعرّف السنة بأنها: «كل ما أثر عن الرسول ? من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية أو سيرة». وهذا التعريف هو نفسه تعريف الحديث، وتعريف السيرة.<br /><span style="color: rgb(255, 0, 0);">(2<span dir="LTR">­­</span>)</span><br />عن أبي هريرة قال بعثنا رسول الله ? في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم قال ? حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما.</p><p dir="RTL">هنا أنت أمام سنة عن النبي مفادها: لا يعذب بالنار إلا الله، لكن كتب التراث، كعادتها، تأبى أن تسير على خط واحد. وهو ما سنراه في الفقرة القادمة.<br /><span style="color: rgb(255, 0, 0);">(3)</span><br />قبيل خروجه ? إلى غزوة "تبوك"، جاءه جماعة من الأنصار يخبرونه أنهم قد بنوا مسجداً، لا لغرض الصلاة فحسب، بل للضعفاء منهم وأصحاب الحاجة والعلة في الليلة الشاتية المُمطرة، وقالوا: نحب أن تصلي بنا فيه وتدعو  بالبركة. فأجابهم ? بالقول: إنا على جناح سفر، وحال شغل، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله صلينا بكم فيه. وبعد أن انتهت الغزوة، وقبل أن يدخل الجيش المدينة، نزل الوحي بالآية السابعة والثامنة بعد المائة من سورة التوبة يقول تعالى:<br />وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108).</p><p dir="RTL">إذ ذاك؛ نادى رسول الله ? على اثنين من أصحابه: مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُم وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ. وقال لهما: "انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه". وعلى الفور، انطلق الصحابيان الجليلان- رضي الله عنهما- لتنفيذ المهمة، فقال مالك لـ معن، انتظرني هاهنا لحظات، حتى أحضر بعض سعف النخل، وأشعل فيه النار، وبالفعل أحضر الصحابي سعفا من النخل، فأشعل فيه نارا، ثم خرجا مسرعين<span style="color: rgb(255, 0, 0);"> حتى دخلا المسجد وفيه أهله، <strong>فحرقاه</strong> وهدماه على من فيه</span>. وبعد أن تم تسوية المسجد بالأرض، أمر النبي ? أن يُخصص موضعه لرمي القمامة، أو بحسب ما يقول القرطبي: أمر بموضعه أن يتخذ كناسة  تلقى فيها الجيف والأقذار والقمامات.</p><p dir="RTL">وكانت عادته ? قبل خروجه إلى أي غزوة ألا يفصح عن وجهته، إلا أنه في هذه الغزوة بالذات، غزوة تبوك، كان قد غيّر من استراتيجيته العسكرية الحكيمة، وأفصح للصحابة عن أنهم سيتوجهون لغزو الروم، والسبب بحسب ما يفيدنا ابن هشام: "لبعد الشقة (أي المسافة) وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم".</p><p dir="RTL">إلا أن بعض المنافقين قد امتنعوا عن المشاركة في الغزوة، إذ جاءه رجل يقال له "الجد بن قيس" يقول: يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ( أي نساء الروم) أن لا أصبر! فقال له رسول الله: قد أذنت لك. فنزلت فيه الآية تقول: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي، أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ.</p><p dir="RTL">لكن الأمر لم يتوقف عند اعتذار الجد بن قيس، الذي تعلل بخشيته من فتنة نساء الروم، بل قد رفض آخرون المشاركة في الحرب بحجة حرارة الجو  الشديدة، ولأن وقت الغزوة كان وقت حصاد الثمار، فنزلت فيهم آية: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً، جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.</p><p dir="RTL">وكانوا، بحسب ما يفيدنا ابن سعد، بضعة وثمانين رجلا، ثم لحقهم بعض الأعراب يريدون نفس التصريح بعدم المشاركة، فلم يصرح لهم النبي، ولم يمنحهم الإذن، ثم تنامى إلى علمه ? أن بعض المنافقين مجتمعين في بيت رجل يهودي يقال له سويلم، يثبطون الناس عن الخروج والمشاركة، وإزاء هذا الموقف الذي ينذر ببوادر حركة عصيان، كان على النبي أن يتخذ قراراً حاسماً، إذ ذاك؛ بعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه،<span style="color: rgb(255, 0, 0);"> وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل طلحة، وأحرق عليهم المنزل وهم بالداخل.</span></p><p dir="RTL">هنا، وبحسب هذين الموقفين، أنت أمام سنة أخرى، مفادها أن إحراق الناس أحياء سُنَّة!<br /><span style="color: rgb(255, 0, 0);">(4)</span><br />هذا التضارب الصارخ في الروايات المنسوبة للنبي محمد ?، والتي تقول مرة إنه حرّم تحريق الناس بالنار، واكتفى بالقتل ومرتين تقول إنه قد أمر الصحابة بإحراق بعض الناس أحياء، هو أحد مظاهر الفوضى في كتب التراث، هو الذي  يجعلنا نقر برحمة الإسلام، بينما يدفع البعض للقناعة بـ وحشيته، وينفذ.</p><p dir="RTL">إذن، قبل أن نلوم تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي على وحشيته، علينا أولاً أن نجد حلا لتراثنا الذي يسوغ له تلك الوحشية!<br /><br /><a href="http://goo.gl/nKFD1q" target="_blank"><span style="color: rgb(0, 0, 255);">للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك</span></a><br /><br /><span style="color: rgb(255, 0, 0);">المصادر:</span></p><p dir="RTL"><span style="font-size:8px;"><span style="color:#A52A2A;">ابن كثير. التفسير. المجلد الرابع صـ 212.<br />القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. المجلد الثامن. صـ 258.<br />الشوكاني. فتح القدير. المجلد الثاني. صـ 461.<br />الطبري. جامع البيان في تأويل القرآن. المجلد الرابع عشر. صـ 468.<br />ابن هشام. السيرة. المجلد الثاني. صـ 516.<br />بن سعد. الطبقات الكبرى. المجلد الثاني. صـ 125.<br />الواقدي. المغازي. المجلد الثالث. صـ 1023 وما بعدها.<br />صحيح البخاري. المجلد السادس. الحديث رقم 4418.<br />صَحِيحُ الأثَر وجَمَيلُ العبر من سيرة خير البشر. مجموعة مؤلفين. صـ 12.<br />مصطفي السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي. صـ 47.</span></span><br /> </p>