التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 07:49 م , بتوقيت القاهرة

متى يقابل السيسي إسلام البحيري؟

هو الدكتور إسلام البحيري، الباحث المعروف، له برنامج شهير باسمه على قناة "القاهرة والناس"، أهمية صديقي العزيز البحيري، هو أنه ينزع كل القنابل الموقوتة من الفقه الإسلامي. ينزع القداسة عن النصوص التي تجعل الدين الإسلامي دينًا إرهابيًا عنصريًا مُعاديًا للحياة وللإنسانية.


هذه النصوص لفقهاء مثل البخاري ومسلم وغيرهما. بجملة واحدة هو يصالح بين الإسلام وبين الحياة، يصالح بين المسلمين وبين الحياة، يحاول بجهد ضخم أن يجعل المسلمين السُنّة جزءًا من التقدم وجزءًا من العالم الذي نعيشه، وليسوا جزءًا من تخريبه وتدميره. 


ما أهمية ذلك؟ 
هذه القنابل الموقوتة- كما تعرف- يستند إليها المتطرفون، سواء الذين يحملون سلاحًا مثل "داعش" وأخواتها أو المتطرفون الذين لا يحملون سلاحًا، لكن الأكثرية منهم ينتظرون الفرصة. هؤلاء موجودون في المجال العام في مصر وموجودون- بكثافة- في المساجد والمدارس والجمعيات الإسلامية، وموجودون- بالطبع- في مناهج الأزهر وفي التعليم العام العادي وحتى الخاص.


هذا بالضبط مكمن الخطورة، فهذا الانتشار المُروِّع في كل مناحي الحياة في بلدنا، هو في الحقيقة، الظهير الشعبي لداعش وغيرها. هم المنبع الأهم والأكثر خطورة للإرهاب.


هذه هي المعركة التي يخوضها إسلام البحيري ببسالة منذ سنوات طويلة. فقد شاركنا في تأسيس جريدة وموقع "اليوم السابع"، بكتابات متميزة أثارت جدلاً واسعًا وحربًا ضروسًا ضده، رغم أنه يُدافع عن الإسلام وينزع عنه القناع الدموي الإرهابي، ويعيده إلى جوهره المتسامح.


أظنكَ تعرف أن هذا يحتاج إلى جهدٍ بحثي جبار. أن تغرق في هذا الركام الفقهي المدمر، لتظهره  للمسلمين، ولتُثبت لهم أن هذه النصوص غير قدسية.


الحقيقة إن إسلام فعل ذلك ومن على أرضية الدين الإسلامي ذاته، فليس هدفه هو هدم الدين. بل هدفه أن يمنحنا الوجه المضيء لهذا الدين العظيم. هذا هو المشروع الذي كرّس له صديقي العزيز حياته ودفع- وما زال يدفع- ثمنًا غاليًا بسببه. 


لماذا هذه المقابلة المقترحة مهمة؟ 


أظن أن الرئيس السيسي يعرف وأظن أن غيره يعرف، أن مواجهة الإرهاب بالسلاح ضرورة قصوى دون شك، لكنّها وحدها لا تكفي ولن تستطيع القضاء عليه، أو على الأقل تحجيمه تمامًا. هناك أسلحة أساسية في هذا الصراع الدامي من أهمها أن يتم تجفيف منابع الإرهاب وعدم ضخ دماء جديدة إليه. 


وهذه الدماء الجديدة تأتي- كما يعرف الرئيس- من الثقافة الإسلامية السائدة في بلدنا، وهي، للأسف، جعلتنا جميعًا كمسلمين مشروع إرهابيين محتملين، فهي مشحونة بالكراهية للآخر ومشحونة بالدم والإرهاب وغيرها من الأفكار المدمرة. 


المسلم الجيد في هذه الحالة هو من يتجاهل هذه الثقافة البشعة التي يتربى عليها وتصبح جزءًا من تكوينه، لكن المشكلة هي أنه يظل مؤمنا بأن "داعش" على حق، وأنه يُمكن أن يختلف مثلاً مع الوحشية المُبالغ فيها، لكنّه لا يرفض هذه الوحشية "كلها على بعضها". لا يرفض إقامة الخلافة الإسلامية بالسلاح. ولا يرفض إجبار غيره من المختلفين معه في العقيدة على ما يسمونه "المشروع الإسلامي. فالثقافة الإسلامية التي تربى عليها تجعله إرهابيا محتملا حتى يحجز لنفسه مكانًا في الجنة، وإذا لم يكن عبدًا لهذه الثقافة الفاشية، فضميره يؤنبه ويعذبه طوال الوقت، حتى يعود إلى "الصراط المستقيم" حتى يُعلي راية الإسلام .


ما يفعله البحيري هو أنه يصالح بين هذا المسلم الغلبان وبين الحياة والتقدم والحضارة- وذلك بنزع القناع الإرهابي المتطرف عن الدين الحنيف- ويؤكد له أنه يُمكن أن يعيش كإنسان طبيعي بدون كراهية ولا دماء ولا أحقاد، وفي ذات الوقت هو مسلم جيد يرضى عنه الله جلّ علاه.  


هل إسلام البحيري هو الوحيد؟ 
بالطبع لا، لكن غيره كثيرين منذ أوائل القرن الماضي، منهم محمد عبده والراحل فرج فودة وغيرهم الكثير. ما يُميزه- ومعه قلة- أنه جمع بين الجهد العلمي الرصين، وبين بساطة العرض وقدرته على الوصول إلى الناس. وستجد غير البحيري كثيرين، فهو عنوان لمنهجٍ من المهم دعمه وانتشاره .


أين دور الأزهر؟ 


دعني أقول لك إن الأزهر لن يفعل شيئًا أكثر من مؤتمرات تُردد الكلام المحفوظ عن سماحة الإسلام، لكنّه لم يقترب من جوهر المشكلة وهي التاريخ الفقهي المُدمر للمسلمين. فهذا التاريخ الفقهي الإرهابي  أصبح جزءًا أساسيًا من تكوين هذه المؤسسة، ومن تكوين القائمين عليها، ولن يستطيعوا تجاوزه، فهم لا يملكون غيره. 


لعلك تتذكر أنهم، رغم الجرائم الفظيعة التي ارتكبها "داعش"، فلم يكفروها، بحُجة أنهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله. في حين أن رجال هذه المؤسسة كفروا قامات مثل الدكتور فرج فودة والدكتور أحمد صبحي منصور وغيرهم. ويكفرون المختلفين معهم دينيًا مثل المسيحيين، وهؤلاء سيقاومون، بل ستكون معركة حياة أو موت بينهم وبين أي تجديد حقيقي للخطاب الديني.  


لماذا السيسي؟ 
لأننا حتى الآن لم نبنِ دولة ديمقراطية حديثة علمانية، فيها مؤسسات قوية ومحترمة، فما زال الرئيس، وأنا أكره ذلك، هو صاحب السطوة، وهو القادر على أن يُحرك المياه الراكدة. أريد أن أطمئن الرئيس ومؤيديه أن كلامه عن تجديد الخطاب الديني، لقى أصداءً إيجابية واسعة في الغرب، ومنها كندا، حيث أقيم فيها مؤقتًا. فلديهم- كما تعرف- مشكلة كبرى مع الإرهاب الإسلامي. لكن الثورة الدينية التي طالب بها الرئيس لا يُمكن أن تقف عند هذا الحد، ولابد أن تنتقل من خانة الخطب إلى خانة المواجهة الحقيقية، وذلك بمفكرين مثل الدكتور إسلام البحيري. 


ماذا إذا لم يفعل السيسي ذلك؟ 
سيفشل حتمًا في مواجهة الإرهاب، هذه المواجهة التي بنى ويبني عليها مشروعيته السياسية في الداخل والخارج، وستظل تدفع البلد ثمنًا باهظًا من دماء أبنائها، سواء الذين يتحولون إلى إرهابيين، أو الذين يذهبون ضحيتهم، وسيظل الإرهاب ورقة سياسية رخيصة لتحقيق مكسب هنا أو هناك. وهذا قد يمنح أي نظام حكم فرصة البقاء. لكنه حتماً لا يبني دولة ديمقراطية حديثة كما أحلم ويحلم غيري.