التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 07:41 م , بتوقيت القاهرة

ثم مات عمر

كان عمر بن الخطاب يمشي يومًا، فرأى يهوديا فقيرا كفيف البصر. سأل عن مورد رزقه فلم يجد. فأمر له براتب ثابت «صدقة» من أموال المسلمين، تكفيه حاجته وتحفظ له كرامته وتعينه على فقره وعجزه.


وعندما ذهب إلى دمشق رأى جماعة من النصارى «المسيحيين» مصابين بمرض الجُذام، فأمر المسلمين أن يكفوهم قوتهم وطعامهم، ويجرون عليهم من صدقاتهم.


وعندما دخل إلى القدس فاتحا منتصرا على الإمبراطورية الرومانية في لحظة تاريخية فارقة، لم يجلس ويأمر القساوسة والرهبان يأتون إليه. بل ذهب لهم فى كنيستهم، كنيسة القيامة، احتراما وتكريما لمقامهم.. وسمع كل طلباتهم والتي كان أولها إبعاد اليهود. فاستجاب لها كلها. وكتب لهم عقد أمان وفيه: «أمانا لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم وكنائسهم، فلا تهدم ولا ينتقص منها ولا يُكرهون على شيء فى دينهم، ولا يُضار منهم أحد».


ويذكر البعض أن عمر بن الخطاب أمر أهل الذمة في مصر بارتداء ثياب مختلفة عن ثياب المسلمين، وبغض النظر عن الجدل التاريخي حول ثبوت الواقعة من عدمه، فالأستاذ العقاد يضيف لفتة رائعة هنا، أنه كان المسلمون هذه الفترة عددًا قليلاً جدا من أفراد الجيش العربي والذى لا يتجاوز 4000 مقاتل. بينما عموم المصريين الأقباط يزيدون عن 8 ملايين. فكان من باب التنظيم والضبط أن يظل «الجنود» المسلمون بملابس عسكرية مختلفة عن أهل البلد من باب الفصل الوظيفي والتنظيمي.


وكان القبط يدفعون جزية، مقابل حماية، ولا يشتركون في الحرب، ويتكفل المسلمون بحمايتهم. فمنعهم ارتداء ملابس المسلمين لأنها ملابس الجيش فلا يندس أحد العناصر العابثة وسطهم فتحدث فتنة.


وخلف هذه الصورة المشرقة قد يقول البعض إن عمر أجبر أهل الذمة على الخروج من جزيرة العرب، فيما يمثل ظلما لهم.. لكنه أخرج يهود خيبر بعد أن خانوا العهد وغدروا بذمتهم مرة بعد مرة. 


وأما نصارى نجران، فقد زاد عددهم إلى أربعين ألفا وشعروا بالعزة وأن المكان لم يعد يناسبهم، فطلبوا المغادرة. فوافق.. وكان يكره وجودهم لأنهم خالفوا عهد رسول الله وعادوا إلى أكل الربا.


حاول أن تضع البعد التاريخي في الحسبان أثناء حكمك على الموقف، فى عهد لم يكن ارتباط العرب الرحل بأرضهم ارتباطا وثيقا على قدر ارتباطهم بالماء والكلأ وموارد الرزق.


وكان هدف عمر، حفظ حرم الإسلام فى الجزيرة وسط دوائر الفتن التي تحيط به من فارس شرقا والروم غربا من صراعات طاحنة تتطلب المزيد من الحذر وبعض الإجراءات الاستثنائية (أمريكا اتبعتها مثلا ضد المسلمين والعرب بعد أحداث 11 سبتمر) . فكانوا يقيمون على أطراف الجزيرة ويتسربون لها يثيرون الفتن الداخلية ويغدرون بأهلها، مثلما فعلوا في العراق والشام.


وكما حفظ للإسلام حرما آمنا.. فقد عامل النصرانية بطريقة مماثلة، عندما طالب القساوسة أن يبعد اليهود عن مدينة القدس لما يرتكبونه من شرور وأذى وفتن واضطهاد للمسيحيين. فأخرجهم من القدس.


لكنّه فى آخر حياته على فراش الموت وبعد أن نال طعنة غادرة من أحد الموالي المجوس الذين سمح لهم استثناءً البقاء فى المدينة، ظل مهموما بأمر أهل الكتاب فأوصى من يأتي بعده من الحكام: «أن يحفظ عهدهم، ولا يكلفهم فوق طاقتهم، وأن يقاتل من ورائهم، يحميهم».


ثم مات عمر.