التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 08:50 م , بتوقيت القاهرة

عبد الله لم يجاهد

كان الإمام علي يقول لابنه، يا بني إني أخشى عليك الفقر، فاستعذ بالله منه. فإن الفقر منقصة للدين.. أي ينقص من دين الإنسان لما فيه من شدة وسخط".


لو تحبي تساعدي إنسان ليزداد تدينا وإيمانا، لو عايزة دين الله يصير أكثر رسوخا في قلبه، ساعديه كي يتخلص من فقره.. فكمال الدين في كمال الحياة.


مجتمع الفقراء، على قول الإمام علي، مجتمع ناقص الدين.. ومجتمع الاعتدال والكرامة قريب من عبادة الله.. فكيف يتحدث الناقصون عن دين الله!


الجوع هو أكبر قاتل في العصر الحديث، 10 ملايين إنسان يموتون سنويا من الجوع! ومليار إنسان - 1 من كل 6 عايشين معانا في الكوكب - داخل دائرة التهديد. مستهدفون من هذا القاتل الشرس.. في مجتمعنا الحديث المعاصر الذي يستخدم الطائرات البوينج والسيارات الفيراري والحواسب الذكية.


هذا العالم يُنفق على صناعة السلاح سنويا 1.6 تريليون دولار (1600 مليار دولار.. لتعلمي فداحة الرقم فهو أكثر من مجموع ميزانية الدول النفطية؛ السعودية وقطر والإمارات والكويت، سنويا)، أمريكا وحدها تنفق 650 مليار دولار سنويا. 40% من إجمالي الإنفاق العالمي. الدول الصناعية الثمانية الكبرى 70% من هذا الرقم. وهم من يملكون 98% من السلاح النووي العالمي.


يعني كل سنة مئات المليارات لصناعة السلاح وصناعة الموت. بينما ملايين يموتون بطريقة أخرى غير الرصاص؛ من عدم وجود غذاء. في حضارتنا الرشيدة.


إبراهيم أبو الأنبياء قال ( رَبِّ اجْعَلْ هَ?ذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا...) لاحظي، إبراهيم له 3 دعوات. 3 أمنيات في حياته وبعد موته.. يؤمنون بالله، حياة آمنة، وأن يجد الناس الرزق من الثمرات.. الطعام الجيد.


فكأنّ رسالته والرسالات المتعاقبة من بعده هي.. "أمان / توحيد / غذاء".


طيب إحنا، كمسلمين، حققنا كام في المية من المعادلة..؟
يا عزيزتي إذ تمنحين الناس الطعام والآمان فأنتِ تقتربين خطوات واسعة من رسالة إبراهيم. فهل نحن نمنحهم الموت أم الحياة. الخوف أم الأمان. التوحيد أم الكفر بالله !


تسمعي عن الجهاد / القتال في سبيل الله.. صح..؟
تعرفي معناه..؟
هشرح المعنى وفقا لفهم الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب، كما نقله البخاري في تفسير آيات سورة البقرة.. ميزة عبد الله أنه ولد في الإسلام، وعاش سنين التكوين والصبا في حجر الرسول مع الحسن والحسين.. راجل فاهم يعني.


عبد الله رفض الالتحاق بأي جيش محارب منذ مقتل عثمان.. جاءه أحدهم في عهد بني أمية، وقال إن الناس قد ضاعت وأنت ابن عمر فاخرج للقتال معنا.. واستشهدوا عليه بآية (وقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) 193 البقرة.


قال لهم، قاتلنا على زمن رسول الله وكان الإسلام قليلا، وكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه.. حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.


عبد الله بن عمر يرى، طالما أن المسلم قادر على الجهر بدينه دون أن يتهدده القتل أو التعذيب.. طالما كثر الإسلام فلم يعد في خطر، فالجهاد قد سقط.. ويرى أن القتال كان لتوفير الحماية وتحقيق الأمان العقائدي لقلة ضعيفة، وأن ذلك كان زمن الاستشهاد الأول على عهد الرسول. وأن الإسلام قد كثر فسقط التكليف.. ولا حاجة للجهاد.


الآية توضح موقف الكافرين (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا). سورة البقرة.. فقبائل العرب استهدفت دين المسلمين ليتخلوا عنه. وبذلك فقتال المسلمين كان لمجابهة هذا الإرهاب للحفاظ على دينهم أولا. وكل آيات الشجاعة والاستشهاد لبث الحماسة في نفوس المسلمين للاستبسال في القتال لأنهم كانوا يخافون.


الصحابة كانوا بيخافوا..؟
أيوه والله.. ربنا قال (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)، وقال (كتب عليكم القتال وهو كره لكم).. وفي غزوة "حنين" فروا هربا وتركوا رسول الله وحده ينادي فيهم هو وعمه يحثهم على الرجوع. وفي غزوة "ذات الرقاع" هاب المسلمون عدوهم فصلى الرسول بهم صلاة الخوف.


فكانت الآيات مهمة لبث الطمأنينة والإيمان واستشعار وجود الله معهم.. وانتصروا على كل من حاربهم نصرا كبيرا عزيزا مؤزرا.


واختصرت الآية تشريعات القتال (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا. إن الله لا يحب المعتدين).


الذين يقاتلونكم.. أي بدأوكم بالقتال.. ولا تعتدوا على أحد. أيا كانت عقيدته.. أيضا الآية التي استشهدوا بها على ابن عمر (وقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) نهايتها ( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين).. أي لو انتهوا عن إيذائكم والتعرض لدينكم، فلا يحق لكم أن تعتدوا عليهم. فكأنّ قتالهم رد فعل دفاعي وليس بداية هجومية.. قتال لتمكين الإنسان من اختيار دينه في حرية وأمان.


يعني الجهاد ليس فريضة غائبة - الآن - كما يظن بعضهم ويرفعه شعارا.


قال هذا الكلام ابن عمر في أكثر من رواية.. إحداها عندما دعوه للتدخل في القتال الدائر بين عبد بن الزبير (حاكم الحجاز) الرافض للخلافة الأموية. وعبد الملك بن مروان (حاكم الشام).. فرفض، واعتبره قتالا على السُلطة وصراعا دنيويا يستخدم شعارات تتمسح بدين الله، ودين الله براء منها.


رغم أن عبد الله بن الزبير أحد طرفي النزاع، أبوه الزبير بين العوام مُبشَّر بالجنة. وأمه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين. وهو أول مولود في الإسلام. وعمة أبيه خديجة. وجدته صفية عمة الرسول.


ابن عمر يرى أن القتال يكون لإخماد الفتن. وأن يكون الدين لله. لو حدث قهر أو ظلم أو وصاية دينية تكره الناس.


وبذلك رفض أي صراع دنيوي يلجأ للتمويه بشحن مشاعر الناس عبر استخدام مصطلحات مثل "الجهاد في سبيل الله" أو "الحكم بما أنزل الله" أو "حماية الدين".. ويراه في الأخير صراع سلطة.
وأن استبدال الجهاد يكون بالأمان والحماية وحرية الاعتقاد.


أبو حنيفة قال ذلك.. عندما قسموا العالم إلى دار سلم ودار حرب.. فقال إن دار السلم / دار الإسلام.. هي كل بلد يستطيع المسلم التعبد فيها دون مخافة أو أذى. حتى وإن كان حاكمها غير مسلم. والإمام الشافعي على هذا الرأي إذ قال إن أي دار يجهر فيها المسلم بعقيدته ويستطيع القيام بشعائره من جماعة وجمعة وآذان وذبح، هي دار إسلام ولا يجوز للمسلم تركها وإن كان حاكمها كافرا.


تقريبا دا متحقق الآن بنسبة 99% من الدول..
طيب طالما الجهاد - بمعناه القتالي - قد انتهى لانتهاء أسبابه التي شرحتها آيات سورة البقرة (حتى لا تكون فتنة) وشرحها عبد الله بن عمر. هل فيه جهاد تاني..؟ انا عايز أجاهد بأه ياعم..


آه فيه.. والرسول قال عليه.. ودا جهاد مستمر لا ينتهي.
كان الصحابة جلوس حول الرسول. فرأوا رجلا نشيطا قويا يمرعليهم. فقالوا لو كان هذا في سبيل الله.. يتمنون لو كانت تلك القوة وهذا النشاط معنا في الحرب.. حروب بدائية قائمة على البطولة الفردية أكثر من الأسلحة الحديثة.


فقال الرسول يعلمهم:
إن كان خرج يسعى على أولاده صغارا، فهو في سبيل الله. 


إن كان يسعى على أبوين كبيرين، فهو في سبيل الله. 


إن كان يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله. 


الرسول يصحح المفاهيم.. الجهاد في سبيل الله يبدأ من رعايتك لأطفالك. كفالتك لأبويك. السعي والإتقان لعفاف نفسك.. العمل والتكافل ورعاية الناس، هو المجتمع المسلم الأول الذي يسعى في سبيل الله.
هل نعرف نجاهد الجهاد دا ولا إحنا متخاذلين عنه.. ؟