التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 01:47 م , بتوقيت القاهرة

من الجاني ؟

<p>أتمنى أن نشترك جميعًا فى الإجابة عن السؤال الصعب: حرية الصحافة.. من أين تبدأ وإلى أين تنتهي؟ ماهو حجم هذه الحرية؟ مساحتها؟ هل هي حرية بدون حدود ؟ هل يمكن محاسبة الصحفي إذا أهمل عمدا في استخدام هذه الحرية فأخطأ بما يساوي هدم جدار من المصداقية؟</p><p>يشغلني كثيرا هذا السؤال عن حرية الصحافة وبالتالي حرية الصحفي، وأنا أعمل في هذه المهنة رفيعة المستوى منذ 30 سنة تقريبا من هاو إلى محترف، يشغلني إلى درجة أنني فتشت كثيرا في ضميري المهني عن كم كذبة ارتكبتها في حياتي الصحفية؟ كم تجاوز؟ كم غلطة؟ كم اختراع ؟ كم فبركة ؟ كم سوء نية ؟ كم رغبة في سبق أو انفراد ؟</p><p><span style="color:#FF0000;">هذه مهنة، ليس صحيحًا أن فيها صحفي في العالم لم يكذب!</span></p><p>كذبة بيضاء أحيانًا، كذبة سوداء أحيانًا أخرى، دعابة أحيانًا، محاولة الفوز بقارئ أو بجدل.</p><p>الآن نحن في أزمة مهنية حقيقية، تضاعفت إلى أكبر حد من الخطر يوم أصبح ( الترافيك ) على المواقع هو الغاية لبقاء مواقع صحفية على قيد الحياة.</p><p><span style="color:#FF0000;">( الترافيك ) هو الطريق إلى بقاء المذيع الصحفي على الشاشة !</span></p><p>في زمن آخر كانت المانشيتات الكاذبة طريقًا إلى بيع الصحف الورقية، كلما زادت الأكاذيب الملونة زادت المبيعات وزاد الصحفي قيمة. وهكذا صنع الصحفي الذي يؤلف الوقائع أو يؤلف الأحداث لتصبح أكثر إثارة، لكن ظل هناك في دفاتر الوطن صحفيون وكتاب يصرون على الحقيقة والمصداقية والدقة إلى مدى مقبول ( ولعلني فعلت).</p><p>اليوم أصبح هدف المحرر لكي يصنع مستقبله الصحفي هو كيف يصنع خبرًا مثيرا إلى درجة يتحول بها الخبر إلى تحقيق أكبر نسبة قراءة، أكبر نسبة مشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي.</p><p>الأزمة هنا أخلاقية قبل أن تكون مهنية. والحساب يجب أن يتحمله السادة رؤساء التحرير، الذين تركوا لصناع وصناعة هذه الأخبار المساحات لكي تنتشر طالما تحقق الهدف من ( الترافيك )، وفي ظل عدم وجود قانون يحكم أو يحاكم؟</p><p>( الترافيك ) عاصفة هبت تعصف ببقايا المهنة التي شاخت منذ سنوات لأسباب تتراوح بين مؤسسات أصبح فيها انتخابات مجلس الإدارة أو النقابة أهم من أرقام التوزيع، وأخرى أرقام التوزيع فيها أهم من المصداقية الكاملة.</p><p>تطغى صحافة الخبر على اللحظة وتغيب صناعات أخرى في الصحف مثل التحقيقات المتقنة والحوارات الجيدة والصورة الصحفية المتفردة، ولأن المواقع الصحفية تبيع باللحظة وتحاسب المحرر بالخبر، أصبح هناك أفكار متطورة لتأليف أخبار تخل بالشرف أحيانا وبالأمن القومي أحيانا أخرى.</p><p>( الترافيك ) ليس هو الحل، إنما هو الحبل الذي نضعه جميعًا حول رقبتنا من أجل الانتشار والبقاء، لن تدوم صحافة الترافيك، ولن تغني من جوع، لن تصنع صحافة ولا صحفي، لن تضمد جراح وطن أو تغزل ثوبا له، لن يكون الترافيك طريقًا ممهدا لكي ننقذ الحرفة التي كنا شطارا فيها إلى أبعد حد، حتى في تلك الأكاذيب التي صنعها أساتذة بمهارة أسطى.</p><p><span style="color:#FF0000;">هل تتدخل النقابة والنقيب القادم لإنقاذ الصحافة المصرية من مصير الترافيك؟</span></p>