التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 06:32 ص , بتوقيت القاهرة

سنطبق الشريعة

<p>يجلس إلى جواري في المترو شاب أزهري قادم من إحدى قرى الدلتا، يهمس لصاحبه الذي يشبهه إلى حدٍ كبير، أنه يريد تطبيق الشريعة لأن الاحتكام لغيرها كفر وضلال.. ويشير إلى أن الدولة لا تطبق الشريعة ولذلك فهي دولة كافرة.</p><p>هو شاب سلفيّ عادي لا يميل للعنف. ولا يحمل سلاحًا. لكن تلك الأفكار بيئة حاضنة وملائمة لنمو التكفير والكفر. والاتهام والقتل. وهو ما يصنعه الجهل في المقام الأول.</p><p>هل يعرف مثلا أنه لدينا في المحاكم المصرية أكثر من مليون قضية طلاق مؤجلة.. وربع مليون قضية طلاق جديدة سنويا ترفعها النساء..؟</p><p>اذهب إلى محاكم الأسرة لترى "مصارين" المجتمع المصري ممزقة.. ضرب وإهانة وكذب وسرقة وخيانة وإثبات نسب، وكل وساخات البشر من جحود وظلم.</p><p>في حين أن قانون الأحوال الشخصية في مصر مأخوذ بشكل كامل من أحكام الشريعة الإسلامية. والقضاة يحكمون في المسكوت عنه وفقا لأرجح الأقوال من المذهب الحنفي.</p><p><span style="color:#FF0000;">فهل حُلت المشكلة؟</span></p><p>هل حلتها الدولة. أو هل حلتها نصوص الشريعة المقننة؟</p><p>تطبيق الشريعة يبدأ من هنا. من بين الناس. القول بالعدل. والعمل به. يقول الله في كتابه العزيز:( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) الأنعام 152. وصية الله لنا. أن نقول العدل. والعدل يتطلب الصدق فيه. والوعي به. والقدرة على الوصول له.. الجاهل لا يعدل.. كذلك الكذاب والمحتال.</p><p>القدرة على قول العدل والمجاهرة به وعدم الخضوع لأي مؤثرات عاطفية وتجاوز الروابط العصبية والقبلية.. تقول العدل ولو كان المحكوم عليه ذا قربى. العدل فوق القرابة. فوق القبيلة. فوق الأهل والولد.</p><p>وفي آية نقول العدل ولو على أنفسنا.. تجاوز الذات للوصول إلى العدل أهم أمر إلهي لنا في القرآن. تهذيب النفس من الكبر والطغيان والظلم.</p><p><span style="color:#FF0000;">ولكن من يسمع..</span></p><p>كان الرسول يحذر أصحابه، كما جاء في البخاري، إنكم تختصمون لدي، وربما أحدكم ألحن بحجته من أخيه فأقضي له بما سمعت. فإنما أقتطع له قطعة من النار.</p><p>الرسول يحذرهم أنه لا يعلم الغيب ولا يطالع القلوب. وأنه يقضي بما يسمع. وربما أحدهم استطاع بمهارة عرض قضيته بصورة تظلم خصمه. أو تحيف على حقه. فيحكم الرسول لصالحه. إنما هو يمنحه جزءا من نار جهنم يعذبه الله بها.</p><p><span style="color:#FF0000;">لاحظ أن الرسول لا يقضي بالحق المُطلق. ولكن بما يظهر له.</span></p><p>رغم أن القاضي هو رسول الله. والحكم المطبق هو شرع الله. إلا أن هذا ليس كافيا لعودة الحق لأصحابه. وينبههم إلى أن الحق، الذي هو شرع الله المنشود، يعود لأصحابه بالضمير اليقظ والنفس السوية التي لا تخشى إلا ربها.</p><p><span style="color:#FF0000;">شريعة الله تسكن القلوب والنفوس والضمائر.. ويطبقها ناس هذبت ما بداخلها من ظلم وجشع وتكبر وسرف.. </span>ويستحيل إعمالها حتى لو كان القاضي رسول الله والأحكام المنزلة مرصوصة في الكتب المقدسة. طالما لم تكن إنسانا راقيا متحضرا.</p><p>منذ شهور تم الحكم بالإعدام على شاب عمره 29 سنة بمحافظة الشرقية قتل طفلة يتيمة اسمها "حبيبة"، لأنه كان يحتاج إلى عشرة جنيهات ضرورية لشراء أكل لعياله. خطف الطفلة لسرقة حلقها فصرخت. لم يستطع السيطرة عليها فقتلها. هكذا اللص غير المحترف يورط نفسه في جريمة أكبر.. ربما هي جريمته الأولى.</p><p>في بلدنا لو قابلت لصا محترفا. لا تخف منه. هو يعرف جيدا ما يريد وكيف يحصل عليه. ولن يتورط في جريمة قتل. ستكون محظوظا ساعتها وربما وجدت وقتا لشرب فنجان قهوة معه قبل أن يغادر. المشكلة لو قابلت لصا يقوم بجريمته الأولى. غالبا هو خائف. وعدواني. ومضطرب. وربما يقتلك دون أن يُدرك ماذا يفعل.. لذلك اترك له كل شيء. اترك له سندوتش الديك الرومي المدخن الذي اشتريته توا من أون ذا رن. محكمة شبرا تنظر قضية قتل سائق توك توك لزميله لخلاف بينهما على قرض قيمته 10 جنيه.. وهكذا.</p><p>الجريمة عادية ومتكررة كل يوم. حتى أن بعض الاحصاءات تقول أن 10 آلاف حالة قتل سنوية في مصر تحدث لخلاف مالي على 10 جنيهات.. في حين أن الإحصاءات الاقتصادية تقول إن "فئة" من المصريين اشترت خلال العقود الثلاثة الأخيرة في زمن مبارك منتجعات سكنية فاخرة وكمبوندز بمبلغ يترواح بين 400 إلى 800 مليار جنيه.!. وهي معفاه من الضرائب العقارية أو الرأسمالية.</p><p>وبعض هذه الأموال حصدها أصحابها عن طريق سرقة "حلال" تحميها القانون. ويحميها المشايخ أيضا.. فأين الشريعة إذن!</p><p>في البخاري، تأخر الرسول ذات مرة عن صلاة العشاء تأخرا كبيرا حتى نام النساء والأطفال. فجاءه عمر وقال الصلاة يا رسول الله، فقال الرسول والله لولا أشق على الناس لأمرتهم بصلاة العشاء هذه الساعة المتأخرة. فهو وقتها.</p><p>ملاحظ معايا. ميعاد صلاة العشاء "الأصلي" متأخر جدا في الليل، لكن الرسول وجد أنه يصعب على الناس أن تسهر لهذا الوقت فسهل عليهم وقدمها عن وقتها تخفيفا ورحمة.. وحب.</p><p>يعني الرسول تدخل في العبادة بشكل ديناميكي مرن لتلائم حياة الناس. وليس العكس. لم يقل اسهروا. بل قال سنبكر بها حتى تنامون. الرسول يريد الناس تعيش حياة مريحة سهلة. ويريد الشريعة رفيقة بهم. يريدهم يحبوها ويعرفوا أنها رحمة ومصلحة وليس تنفيرا وغلظة ومشقة.</p><p><span style="color:#FF0000;">يمنحهم الأمان لا الخوف. والرأفة لا الفظاظة. هكذا الرسول. هكذا شريعته.</span></p><p>طبعا هذا حدث في مجتمع بدائي لا يعرف الكهرباء الحديثة ولا طريقة الحياة المعاصرة التي حولت الليل نهار بفضل الأخ أديسون والأخ تسلا على الجميع رحمة الله.</p><p>لذلك كانت من صفات الرسول في القرآن (عزيز عليه ما عنتم) العنت هو التعب. يعني الرسول يعز عليه انه يشوف انسان في مشقة وتعب في حياته بسبب تكاليف الدين.. في حين أن البعض يتفنن في جعل الشريعة كريهة شاقة عسيرة ترهق حياة الناس. بل يهددهم بها. حتى تحول مصطلح تطبيق الشريعة في عقول الناس إلى تهديد مرعب يشبه التهديد بالقتل.</p><p><span style="color:#FF0000;">فأين الشريعة؟</span><br />حديث ثالث في البخاري أيضا.. عيّن الرسول رجلا على مال المسلمين لجمع الصدقات. وبعد فترة عاد الرجل وسلم الرسول ما جمعه، ثم قال هذا لكم وهذا لي هدية من بعضهم.. فغضب الرسول لذلك وصعد المنبر. واحتدت لهجته على غير العادة. وقال، ليجلس أحدكم في بيت أمه فننظر ما يُهدى له.</p><p>يعني لو أنت قاعد عند أمك يا خويا مكنش حد عبرك.. الهدية جيالك بسبب منصبك.. والرسول يرفض التربح بسبب الوظيفة أو الحصول على امتيازات بسببها. </p><p>تلك هي الشريعة. فهل نطبقها أم أن كل موظف في الدولة الآن يتفنن في التكسب من وظيفته بأقصى درجة ممكنة وتعيين أولاده فيها وكأنها ملك خاص له..؟<br /><span style="color:#FF0000;">فهل عرفت ما هي الشريعة التي نريد تطبيقها؟</span></p><p> </p>